تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والإحساس وجودا وعدما، والطاحون يدور مع صفة الدوران وجودا وعدما، والنار تدور مع صفة الإحراق وجودا وعدما، فتلك أوصاف ذاتية ملازمة لمسمياتها بها استحقت أسماءها سواء أكانت شرعية أو عرفية أو لغوية، فلفظ النار دال على ما به يقع الإحراق من الوهج المشتعل فإذا أطفئ صار رمادا فتغير الاسم تبعا لتغير الوصف،، فاستحقت النار اسمها لقوة الإحراق فيها، واستحقت النفس اسمها لقوة الحركة والإحساس فيها، واستحق الطاحون اسمه لقوة الدوران فيه، وكل ميسر لما خلق له من الوظائف الكونية، والشرعية إن كان مكلفا، وتدبر أعضاء الإنسان وما فطر عليه كل عضو من خصائص وقوى تلائم ما خلق له من الوظائف الحيوية، يزيد هذا المعنى جلاء، فاقتضت حكمة الرب الخالق، تبارك وتعالى، أن يوجد كل عضو على هيئة بعينها يحصل بها تمام الانتفاع به، فللقدم هيئة تلائم وظيفة المشي، وللعين هيئة تلائم وظيفة البصر ..... إلخ، فتجريد تلك الأعيان من أوصافها قدح في حكمة الرب، جل وعلا، فلا تنفك عن قوى أودعها الرب، جل وعلا، فيها، فما كان من خير فهو منه فضلا ورحمة، وما كان من شر فهو منها وصفا ومنه خلقا فالشر ليس إليه، وإنما الشر كائن في الأعيان التي خلقها على طبائع متفاوتة لتظهر آثار حكمته البالغة في تدافع هذه الطبائع، فالخير والشر يتصارعان فيتولد من ذلك من المصالح الكلية ما يفوق مفاسد الشر الجزئية، وتلك من أعظم صور الحكمة الربانية، فكيف يصح في الأذهان تجريد الأشياء من خصائصها والتسوية بين المكلفين في مواهبه، جل وعلا، لهم، شرعية كانت أو كونية، لمجرد تصور القائل أن مقتضى العدل التسوية مطلقا بين الأعيان في الأحكام وإن تباينت الأوصاف؟!، وهل ذلك إلا من جنس من يطلب التسوية بين البول والماء في الحكم لاستوائهما في وصف السيلان؟!، فالعدل يظهر أثره إذا تباينت الأوصاف فأعطي كل وصف ما يستحقه كونا وشرعا، فذلك التقاوت، كما ثقدم، إنما كان ليظهر أثر الحكمة والعدالة الإلهية في التسوية بين المتماثلات والتفريق بين المختلفات، فذلك ذريعة إلى حمد رب الأرض والسماوات جل وعلا، ولذلك: (تَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، إذ قد نال كل مكلف ما يستحقه، تنعيما أو تعذيبا فرعا عما قدم في دار الابتلاء، فلم يسو بينهم في العطاء أو الحرمان، بل تفاوتوا في درجات النعيم والعذاب في دار الجزاء فرعا عن تفاوتهم في درجات الطاعة أو العصيان في دار الابتلاء فظهر من ذلك ما ظهر من آثار حكمة ربك، ذي الجلال والجمال، ما استحق حمده آناء الليل وأطراف النهار، وما لأجله تسبح الملائكة الكرام أبدا فلا منتهى لكمال وصفه لينتهي لهج الألسنة بالتسبيح بحمده.

والله أعلى وأعلم.

ـ[عبدالله الحسيني]ــــــــ[06 - 02 - 2010, 08:54 ص]ـ

كثر الله نفعك

وجزيت خيرا

ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 02 - 2010, 08:49 ص]ـ

وأكثر الله، عز وجل، لك الخير دينا ودنيا أخي عبد الله، وجزاك خيرا، ونفعك ونفع بك.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فأَما الأُمور العدمية فهي باقية على ما كانت عليه من العدم، والإِنسان جاهل ظالم بالضرورة كما قال تعالى: {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب: 72]، فإِن الله أَخرجه من بطن أُمه لا يعلم شيئاً والظلم هو النقص، كما قال تعالى: {آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ شَيْئاً} [الكهف: 33] أي ما نقص منه شيئاً، وهي ظالمة نفسها فهي الظالمة والمظلومة، إِذ كانت منقوصة من كمالها بعدم بعض الكمالات أَو أَكثرها بها، وتلك أُخرى فصار عدمها مستلزماً لعدم تلك الكمالات فعظم النقص والتعب كسبه وفقدت من لذاتها وسرورها ونعيمها وبهجتها وروحها بحسب ما تركت من تلك الكمالات التى لا سعادة لها بدونها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير