تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإِن أَحد الموجودين قد يكون مشروطاً بالآخر فيستحيل وجوده بدونه، لأَن عدم الشرط يستلزم عدم المشروط، فإذا عدمت النفس هذا الكمال المستلزم لكمال آخر مثله أَو أَعلى منه وهى- موصوفة بالنقص الذى هو الظلم والجهل ولوازمها من أَصل الخلقة- صارت مستلزمة للشر، وقوة شرها وضعفه بحسب قوتها وضعفها فى ذاتها". اهـ

بتصرف من: ص30، 131.

فالإنسان أصله العدم، فلم يكن شيئا حتى امتن الله، عز وجل، عليه بالخلق إيجادا، بعد خلقه تقديرا في الأزل، فلم يزل عدما في علم الله، عز وجل، حتى قضى بإخراجه إلى عالم الشهادة الوجودي فطرأ عليه الحدوث بعد العدم، وكان أول أمره عدما من أسباب الخير، وإن كان مجبولا على التوحيد فتلك مادة خير امتن الله، عز وجل، عليه بركزها في فطرته الأولى فهي، كما تقدم، أثر الميثاق الأول، ولكنه في الجملة: عدمٌ خلوٌ من الكمالات حتى يشاء الرب، جل وعلا، إمداده بأسبابها فذلك من فضله، وإن شاء قطعها عنه فذلك من عدله، فلم يظلمه شيئا، وإنما هو معدوم إما أن يعطى، وإما أن يبقى على عدمه، فلم يسلبه الله، عز وجل، شيئا، ولم يمنعه شيئا كان له، بل أعطاه تفضلا من النعم الكونية ما قد علم، وأعطاه من الهداية الشرعية الدلالية ما حصل له بها كمال البيان لطرائق الهدى والضلال فتلك أيضا من العطايا العامة التي يشترك فيها عامة المكلفين بل هي عين الحجة الرسالية التي يمتنع التعذيب حتى ورودها، ثم شاء بحكمته أن يضع الهدى في المواضع القابلة لآثاره فهدى هداية الإلهام من شاء من عباده فضلا، فتلك زيادة طرأت على الأصل العدمي للنفس، فذلك فضل زيادة منه، جل وعلا، وأضل بحكمته وعدله من شاء من عباده، فهو باق على الأصل العدمي الأول بقطع أسباب الخير عنه، وليس ذلك، كما تقدم، ظلما، إذ لم يسلب صاحبه شيئا كان له عنده، بل هي محض عطية ربانية شاء الله، عز وجل، بحكمته أن توهب لفلان، وتحجب عن فلان، فالممنوح قد حاز فضلا، والمحروم لم يغصب شيئا كان في حوزته ليصح القول بأنه قد ظلم حقه، بل هو، كما تقدم، قد حاز من النعم الكونية والشرعية ما أقيمت به الحجة عليه، فالنعم الكونية ذريعة إلى إعمال الفكر فيها توصلا إلى غاية خلق المكلف من توحيد الرب، جل وعلا، بالعبادة والتأله، ونعمة الدلالة الشرعية ذريعة إلى سلوك سبيل الهدى والرشاد، فخلق وركب فيه العقل مناط التكليف ودل على طريق الهداية الشرعية وأعطي من أسباب الهداية الكونية ما انتظم به أمر معاشه، ثم هو بعد أن كذب وتولى، يحتج بالقدر على تكذيبه فقد ظُلم إذ لم يكتب له ربه، جل وعلا، الهداية!، وإن لم يكن لها أهلا بما سبق في علم الرب، جل وعلا، التقديري الأزلي من فساد محله فلا يقبل آثار الهدى لينتفع بها فلو وضعت فيه لكان ذلك من نقص الحكمة بوضع الشيء في غير محله، وذلك منتف عن الرب الحكيم، تبارك وتعالى، بداهة، بل ما خلق، عز وجل، الأضداد إلا لتظهر آثار قدرته النافذة في خلقها، وآثار حكمته البالغة في تدافعها.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 02 - 2010, 10:47 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وتأَمل أَول نقص دخل على أَبي البشر وسرى إِلَى أَولاده كيف كان من عدم العلم والعزم. قال تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىَ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه: 115] والنسيان سواءٌ كان عدم العلم أَو عدم الصبر كما فسر بهما ها هنا فهو أَمر عدمي، ولهذا قال آدم لما رأَى ما دخل عليه من ذلك: {رَبّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]، فإِنه إذا اعترف خص نفسه - بما حصل لها من عدم العلم والصبر - بالنسيان الذي أَوجب فوات حظه من الجنة، ثم قال: {وَإِن لّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]، فإِنه سبحانه لم يغفر السيئات الوجودية فيمنع أَثرها وعقابها ويق العبد من ذلك وإلا ضرته آثارها ولا بد، كآثار الطعام المسموم إِن لم يتداركه المداوى بشرب الترياق ونحوه وإلا ضره ولا بد، وإِن لم يرحمه سبحانه بإِيجاد ما به يصلح النفس وتصير عالمة بالحق عاملة به وإِلا خسر، والمغفرة تمنع الشر، والرحمة توجب

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير