تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أوصاف النقص بمقتضى ما جبلت عليه.

ومؤدى القول بعدم انقسام أفعال العبد إلى حسن وقبيح: تعطيل الشرائع وإبطال النبوات التي جاءت بالتمييز بين الأفعال فتعلق المدح والثناء بالحسن، وتعلق الذم والقدح بالقبيح، فصار ذلك وصفا مؤثرا يناط به الثواب وعدا والعقاب وعيدا، فذلك جوهر شرائع المرسلين التي ينقضها لازم مقالة نفي الحسن والقبح الذاتي في الفعل، فإن ذلك هو العلة المؤثرة في الثواب والعقاب، وإن كان ذلك لا يثبت إلا بعد ورود نص الشارع به.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وموجب أَمر الله له ونهيه، ولله سبحانه الحكمة البالغة والنعمة السابغة والحمد المطلق على جميع ما خلقه وأَمر به، وعلى ما لم يخلقه مما لو شاءه لخلقه، وعلى توفيقه الموجب لطاعته وعلى خذلانه الموقع فى معصيته، وهو سبقت رحمته غضبه وكتب على نفسه الرحمة، وأحسن كل شيء خلقه وأتقن كل ما صنع". اهـ

ص132.

فهو، عز وجل، الحكيم إذ يسر أسباب الطاعة، فضلا، الحكيم إذ يسر أسباب المعصية عدلا، فله الحمد في السراء بالسعة الكونية والطاعة الشرعية، وله الحمد في الضراء بالشدة الكونية أو المعصية الشرعية، فإذا أكرم بأسباب فضله بنعم كونية سابغة، ونعم شرعية لا تتلقى إلا من وحي الرسالات المنزلة، فذلك من رحمته وحكمته، إذ وضع أسباب رحماته الكونية والشرعية في المحال الملائمة لها، وإن كانت الرحمات الكونية قد توهب لمن ليس على جادة الرسالات فيكون ذلك إما استدراجا، وإما إظهارا لعدله، عز وجل، فيهب الكافر مقابل إحسانه في الدنيا ثواب عمله معجلا فإنه، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، ما من عمل صالح إلا وله ثواب عاجل في الدنيا يعم المؤمن والكافر على وزان قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ)، وآجل في الآخرة لا يكون إلا للمؤمن، فـ: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، فذلك من التكريم لهم على ما بذلوه من أسباب نيل رضا الرب، جل وعلا، على جهة الديانة فلم يبذلوه لنيل رضا عاجل في الدنيا وإنما سمت نفوسهم إلى النعيم الباقي فزهدت لزوما في النعيم الفاني، وفي المقابل: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)، فأكد العموم بـ: "من" فصارت "ما" نصا في نفي الجنس بارتفاع احتمال إرادة نفي الوحدة بعملها عمل "ليس"، فكل أعمالهم قد صيرها الله، عز وجل، هباء منثورا لفساد الأصل، وذلك مما يستأنس به من قال بخطاب الكفار بفروع الشريعة، إذ قد خوطبوا بها، وخوطبوا بما لا تصح إلا به من شرط القبول الأعم: شرط الإيمان، وشرط القبول الأخص: شرط الإخلاص والمتابعة فذلك مما خوطب به كل عامل مؤمنا كان أو كافرا، وإذا أهان بالمعصية، فليس التضييق الكوني بتعسير أسباب المعاش أو نحوه مئنة من الإهانة بل قد يبتلى العبد لترتفع درجته عند الرب، جل وعلا، إذا أكرم أو أهان فكلاهما من آثار حكمته بوضع كل حال في المحل الملائم لها، فتتنوع أقداره في عباده تبعا لتفاوت محالهم صحة أو فسادا، فلا يسوي، عز وجل، كما تقدم مرارا، بين محلين متباينين، ولا يفرق بين محلين متماثلين.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وما يحصل للنفوس البشرية من الضرر والأذى فله فى ذلك سبحانه أعظم حكمة مطلوبة وتلك الحكمة إِنما تحصل على الوجه الواقع المقدر بما خلق لها من الأَسباب التى لا تنال غاياتها إِلا بها، فوجود هذه الأَسباب بالنسبة إلى الخالق الحكيم سبحانه هو من الحكمة ". اهـ

ص132.

فلا تنال الراحة إلا على جسر من التعب، ولا ينال المحبوب إلا بمباشرة المكروه، فالنعيم لا يدرك بالنعيم، فـ:

لولا المشقّة ساد الناس كلهم ******* الجود يفقر والإقدام قتال

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير