تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فذلك، أيضا، من آثار حكمة الرب، جل وعلا، إذ يتوصل بالشيء إلى ضده، فالضيق معدن السعة، والشدة ذريعة إلى الرخاء بمقتضى السنة الكونية الجارية بارتفاع الابتلاء وإن طال فإنه متبوع بالعافية لا محالة، فمن صبر ابتداء ظفر انتهاء، ومن صابر أعداء الرسالات في دار القتال: دار الدنيا التي لا تضع الحرب فيها أوزارها بين الإنسان ونفسه ودنياه وشيطانه فتلك أعداؤه في خاصة نفسه وبين الجماعة المؤمنة ومن ناصبها العداء من أعداء الرسالات فأولئك أعداؤها على جهة العموم فللمسلم عدو خاص من نفسه، وعدو عام من غيره، بل قد ابتلي بعداء إخوانه فلا يسلم مؤمن إلا من رحم الرب، جل وعلا، من عداوة مؤمن مثله، فالأرواح جنود مجندة وتناجز الأقران من العلماء والعباد أشهر من أن يذكر، وإن أرجع ابن الجوزي، رحمه الله، ذلك في صيد الخاطر ذلك إلى التنافس على الدنيا فلا يخلو من معنى يذم به صاحبه وإن كان من أهل العلم والعمل، فالفاضل قد يناله الذم من وجه ولا يلزم من ذلك ذمه على جهة العموم بل يحمد بما فيه من فضل ويذم بما فيه من نقص وذلك جار على ما قرره المحققون من أهل العلم من انفكاك جهات المدح والذم، أو الولاء والبراء، فيحب العبد ويوالى بقدر ما فيه من إيمان وطاعة، ويذم بقدر ما يه من كفر ومعصية، فقد يتلبس بشعبة من الكفر الأصغر فيبغض عليها ويكون مع ذلك مؤمنا وإن نقص إيمانه إذ معه أصل الإيمان دون كماله فيحب لذلك الأصل فتحقق فيه الوصفان مع تناقضهما لانفكاك جهتيهما بل الكفر الأكبر دركات، وإن كان أصحابه جميعا هلكى، فلا يبغض الكافر المسالم بغض الكافر المحارب، وإن كان كلاهما مبغضا لكفره، وذلك عين العدل الذي اتصف به أهل الإسلام في إطلاق الأسماء والأحكام، فمن صبر على قتال أعداء الرسالات فلم يهادن أو يلاين نال ما تمنى، فالمبتدأ: مكروه تنفر منه النفوس بما جبلت عليه من إيثار الراحة والدعة، والخبر: محبوب تتشوف إليه النفوس فلسان حالها:

تهون علينا في المعالي نفوسنا ******* ومن خطب الحسناء لم يغله المهر

واقتران المكروه بالمحبوب على هذا النحو المحكم، فلا تنفك المشقة عن أي عمل، ولو شهوة خالصة، ذلك الاقتران مئنة من حكمة الرب، جل وعلا، الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، فاقتضت حكمته ألا يفارق وصف الشر أعيانا، فهو فيها ذاتي، فيتوصل بها إلى مرادات محبوبة، فيها الخير المراد لذاته، فهو: نقيض ما بتلك الأعيان من الشر الذي يريده الرب، جل وعلا، كونا لما يؤول إليه من عاقبة الخير، فيراد الشر لغيره توصلا إلى الخير المراد لذاته، وذلك، كما تقدم، من أبرز حكم خلق الشر، فليس شرا محضا من كل وجه، بل ينطوي على ذرائع إلى خير أعظم من مفسدة وقوعه.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 02 - 2010, 09:07 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"ولهذا يقرن سبحانه فى كتابه بين اسمه الحكيم واسمه العليم تارة وبين اسمه العزيز تارة كقوله: {وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء: 26] [الأنفال: 71]، {وَالله عَزِيز حَكِيمٌ} [البقرة: 240] [المائدة: 38]، وقوله: {وَكَانَ اللهُ عزِيزاً حَكِيماً} [النساء: 158، 165] [الفتح: 7، 19]، {وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء: 170] [الفتح: 4]، {وَإِنّكَ لَتُلَقّى الْقُرْآنَ مِن لّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل: 6] ". اهـ

ص132.

واقتران العلم بالحكمة: اقتران لزوم، فلا يكون علم محيط بدقائق الكائنات إلا بحكمة، ولا تكون حكمة إلا فرعا عن علم محيط سابق، فالحكمة علم وزيادة فهي تقدير للأمور على نحو دقيق محكم، ولا يكون ذلك، كما تقدم، إلا بعلم قد بلغ من السعة ما حسن معه إيراده بصيغة المبالغة، فأطلق في مواضع كقوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)، فاقتران الوصفين على جهة المبالغة مئنة من وثيق الصلة بينهما فإن الخلق لا يكون إلا عن علم تقديري سابق، وقيد على جهة الوعد في نحو قوله تعالى: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)، وعلى جهة الوعيد في نحو قوله تعالى: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)، فاسم العليم أصل يتفرع عنه على جهة الالتزام اسما: الخبير بالدقائق فذلك معنى أخص من العلم، الحكيم الذي يجري الأمر على أكمل وجه فتلك ثمرة العلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير