تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الرفيق الأعلى، فليس بد من القصاص من سابه، انتصارا له صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإلا أدى ذلك إلى فساد عريض بالاستهانة بحقوق العباد، بل إن من تكررت ردته بسب الرب، جل وعلا، أو بأي صورة أخرى من صور الردة فإنه يقتل عند جمع من أهل العلم حسما لمادة الفساد فجرأته على الردة ثم إظهاره العودة مئنة من زندقته وغلظ كفره، وتحريض لغيره من الزنادقة على إظهار كفره فإذا أخذ بجريرته اعتذر وأظهر التوبة لعلمه بأنها تنفعه في الدنيا، وإن لم تنفعه في الآخرة فهو كافر عند الله، عز وجل، وإن كان مسلما عند الناس بإظهار شعار الإسلام الظاهر وليس لهم إلا قبول ما يظهره من شعار الدين، إذ لم يؤمر البشر بشق الصدور واستكناه ما في القلوب، فسدا لذريعة الاستهانة بالديانة يقتل من تكررت ردته فتحسم بقتله مادة الشر، وإلى طرف من ذلك أشار ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:

"وأما من استتاب الساب لله ولرسوله فمأخذه أن ذلك من أنواع الردة ومن فرق بين سب الله وسب الرسول قالوا: سب الله تعالى كفر محض وهو حق لله وتوبة من لم يصدر منه إلا مجرد الكفر الأصلي أو الطارئ مقبولة مسقطة للقتل بالإجماع ويدل على ذلك أن النصارى يسبون الله بقولهم: هو ثالث ثلاثة وبقولهم: إن له ولدا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال: "شتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك وكذبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك فأما شتمه إياي فقوله: إن لي ولدا وأنا الأحد الصمد" وقال سبحانه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَة} إلى قوله: {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} وهو سبحانه قد علم منه أنه يسقط حقه عن التائب فإن الرجل لو أتى من الكفر والمعاصي بملء الأرض ثم تاب تاب الله عليه وهو سبحانه لا تلحقه بالسب غضاضة ولا معرة وإنما يعود ضرر السب على قائله وحرمته في قلوب العباد أعظم من أن يهتكها جرأة الساب وبهذا يظهر الفرق بينه وبين الرسول فإن السب هناك قد تعلق به حق آدمي والعقوبة الواجبة لآدمي لا تسقط بالتوبة والرسول تلحقه المعرة والغضاضة بالسب فلا تقوم حرمته وتثبت في القلوب مكانته إلا باصطلام سابه لما أن هجوه وشتمه ينقص من حرمته عند كثير من الناس ويقدح في مكانه في قلوب كثيرة فإن لم يحفظ هذا الحمى بعقوبة المنتهك وإلا أفضى الأمر إلى فساد". اهـ

"الصارم المسلوم"، ص378، 379.

وتلك من مواضع الجلال التي فرط فيها المسلمون فنالهم من الذلة بالتفريط في حقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولو بما يقدرون عليه من الغضب وإظهار الحمية والانتصار له صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ما نالهم، ولعل تخاذل شعوب وحكومات الدول الإسلامية إجمالا إلا فئاما في واقعة الرسوم المسيئة له صلى الله عليه وعلى آله وسلم من نحو أربع سنوات صورة من صور ذلك التفريط الذي عمت به العقوبة فضربت الذلة على مجموع الأمة بمقتضى عموم العقوبات الربانية فتلك من السنن الكونية المطردة فلا تخص العقوبة العامة أفرادا دون أفراد، وإن كان فيهم المحسن، فذلك من التخصيص بلا مخصص فلا دليل عليه من شرع أو حس، بل الشرع شاهد بضد ذلك فـ: "إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا"، فعم الدمار القرية بأكملها لا أفرادا بخصوصهم، والحس شاهد بأن النوازل الكونية تجري في الغالب مجرى العموم فلا تخص بعضا دون بعض، وإن خص بعض الصالحين، فلم تنله العقوبة الكونية فبرسم الكرامة وهي خلاف الأصل، وما كان خلاف الأصل فلا يقاس عليه كما قرر أهل الأصول.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 02 - 2010, 07:47 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وفي بعض الآثار: إِن الناس بطلبون العزة في أبواب الملوك، ولا يجدونها إِلا في طاعة الله عز وجل. وفى الحديث: "اللَّهُمَّ أَعِزَّنَا بِطَاعَتِكَ وَلا تُذِلَّنَا بِمعْصِيتكَ" وقال بعضهم: من أَراد عزاً بلا سلطان، وكثرة بلا عشيرة، وغنى بلا مال، فلينتقل من ذل المعصية إلى عز الطاعة ". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير