تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"فالعزة من جنس القدرة والقوة وقد ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم أَنه قال: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِى خَيْر وَأَحَبُّ إِلَى اللهُ مَنَ الْمُؤْمِنِ الضعيف، وفى كل خير". فالقدرة إن لم يكن معها حكمة بل كان القادر يفعل ما يريده بلا نظر فى العاقبة، ولا حكمة محمودة يطلبها بإرادته ويقصدها بفعله، كان فعله فساداً كصاحب شهوات الغي والظلم، الذي يفعله بقوته ما يريده من شهوات الغي في بطنه وفرجه ومن ظلم الناس، فإِن هذا وإن كان له قوة وعزة لكن لما لم يقترن بها حكمة كان ذلك معونة على شره وفساده". اهـ

ص133.

فصفة الجلال إن لم تشفع بصفة الجمال صارت وبالا على صاحبها، فإن القدرة بلا حكمة مظنة الطغيان، فعند صاحبها من أسباب الشهوة ما يمكنه من نيل مراده، وليس عنده من أسباب العفة ما يحول بينه وبين نيلها بطريق محرمة تجلب له من الفساد والشر الآجل ما يفوق أضعاف أضعاف ما تجلبه له من اللذة العاجلة، فهي آنية عارضة سرعان ما تذهب سكرتها فتأتي الفكرة في عواقبها فتنغص على صاحبها ما توهمه من صلاح الحال بمباشرتها، ففساد القوة العلمية لغياب الحكمة الشرعية قد قلب ميزان عقله فرآى القبيح حسنا لاغتراره بظاهره، فليس عنده من حكمة الشرع ما يلجم شهواته، فقوته العملية كبيرة، وذلك من الكمال في القوة والعزة، وقوته العلمية ضئيلة وذلك من النقص في الحكمة فلم تغن القوة شيئا مع غياب الحكمة، وهذا حال كثير من ملوك وأمراء الجور فعندهم من السلطان ما عندهم وليس عندهم من العلم شيء تقريبا، كما لا تؤتي الحكمة أكلها بلا قوة وعزة تدفع عنها عدوان الصائل، فتلك من سنة التدافع التي أقيم عليها هذا الكون فأسبابه الكونية والشرعية في تدافع مستمر، فلا بد من القدرة جلالا والحكمة جمالا لينتظم أمر المخلوق فاجتماعهما في حقه كمال يمدح به لعدم تطرق النقص إليه من أي وجه، فيكون ذلك ثابتا للرب، جل وعلا، من باب أولى، فقياس الأولى في هذا الموضع: قياس صحيح، لكمال الوصف مطلقا وورود النص به.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وكذلك العلم كماله أن تقترن به الحكمة وإلا فالعالم الذى لا يريد ما تقتضيه الحكمة وتوجبه، بل يريد ما يهواه، سفيه غاوٍ، وعلمه عون له على الشر والفساد هذا إذا كان عالماً قادراً مريداً له إِرادة من غير حكمة، وإِن قدر أنه لا إرادة له فهذا أولاً ممتنع من الحي، فإن وجود الشعور بدون حب ولا بغض ولا إِرادة ممتنع كوجود إرادة بدون الشعور". اهـ

ص134.

فيمتنع أن يكون إنسان حي بلا إرادة، فلا بد أن تتحرك النفس في المعقولات فكرا فيتولد من ذلك تحرك البدن في المحسوسات أفعالا وجودية هي ترجمان التصور العلمي الباطن الذي يولد حركة عملية في القلب هي الإرادات الصالحة فتنتج لزوما أعمالا صالحة ظاهرة، فللفرع حكم الأصل، ولا يوجد جسد حساس متحرك بلا حب أو بغض، فإنه يلزمه أن يحب ويبغض ليبقى فلا يهلك فيحب ما به حياته، ويكره ما به فناؤه، وإنما يقع الفساد من جهة التصور بأن يظن المهلك منجيا فيحبه وهو أولى ما يبغضه العاقل، أو يظن المنجي مهلكا فيبغضه وهو أولى ما يحبه العاقل، فمن كره الجهاد بالنفس خشية تلف البدن، فقد استدفع المفسدة الصغرى بتلف بدن أو أبدان بارتكاب مفسدة أعظم بتلف الأديان وما ينتج منه لزوما من تلف الأبدان بتسلط الأعداء على الأبدان التي حرص أصحابها على صيانتها من عض السيوف، فسلموها لأعدائهم كاملة غير منقوصة، ليعضوها بسيوف الذلة والمهانة بعد أن كانت تنال بسيوف القتال في ميادين الوغى برسم العزة والكرامة.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وأما القدرة والقوة إذا قدر وجودها بدون إرادة فهي كقوة الجماد، فإن القوة الطبيعية التى هي مبدأُ الفعل والحركة لا إِرادة لها". اهـ

ص133، 134.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير