تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"والناس فى هذا المقام أَربع طوائف: الطائفة الأُولى الجاحدة لقدرته وحكمته فلا يثبتون له تعالى قدرة ولا حكمة، كما يقوله من ينفي كونه تعالى فاعلاً مختاراً وأَن صدور العالم عنه بالإِيجاب الذاتي لا بالقدرة والاختيار وهؤلاء يثبتون حكمة يسمونها عناية إلهية، وهم من أشد الناس تناقضاً، إِذ لا يعقل حكيم لا قدرة له ولا اختيار، وإِنما يسمون ما فى العالم من المصالح والمنافع عناية إلهية من غير أَن يرجع منها إِلى الرب تعالى إِرادة ولا حكمة وهؤلاءِ كما أَنهم مكذبون لجميع الرسل فإِنهم مخالفون لصريح العقل والفطرة، قد نسبوا الرب تعالى إِلى أَعظم النقص، وجعلوا كل قادر مريد مختار أَكمل منه وإِن كان من كان، بل سلبهم القدرة والاختيار والفعل عن رب العالمين شر من شرك عباد الأَصنام به بكثير، وشر من قول النصارى أَنه - تعالى عن قولهم - ثالث ثلاثة وأَن له صاحبة وولداً، فإِن هؤلاءِ أَثبتوا له قدرة وإِرادة واختياراً وحكمة، ووصفوه مع ذلك بما لا يليق به. وَأَما أُولئك فنفوا ربوبيته وقدرته بالكلية وأَثبتوا له أَسماءَ لا حقائق لها ولا معنى". اهـ

ص134.

فأولئك نفوا قدرة الرب، جل وعلا، على الإيجاد، وحكمته التي يكون بها تدبير أمر الكون، على ما تقدم في أكثر من موضع، من قول نفاة الصفات من الجهمية، والفلاسفة الذين سلبوا الرب، جل وعلا، أوصافه الفاعلة المؤثرة في الأحداث الكونية بإرادة اختيارية لا اضطرار فيها ولا إكراه، يمدح بها المخلوق، فكيف بالخالق، عز وجل، وقد أثبتها لنفسه بنص كتابه، فاجتمع لها من الأدلة: النص الصحيح الصريح، والقياس الأولوي وهو القياس الوحيد المعتبر في هذا الباب الخبري، فنفوا كمال الرب، جل وعلا، بنفي صفات جلاله كالقدرة وجماله كالحكمة، ولم يثبتوا إلا علما ناقصا، فردوا علة صدور هذا الكون إلى ذات الرب، جل وعلا، فتلك مقالة: "الإيجاب الذاتي"، وإلى طرف منها أشار ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:

"ومذهب الفلاسفة الملحدة دائرٌ بين التعطيل، وبين الشرك والولادة؛ كما يقولونه في الإيجاب الذاتي؛ فإنه أحد أنواع الولادة. وهم ينكرون معاد الأبدان .............. واتّخاذ الولد هو عِوَض عن الولادة لمن لم يحصل له، فهو أنقص في الولادة.

ولهذا من قال بالإيجاب الذاتي بغير مشيئته وقدرته، فقوله من جنس قول القائلين بالولادة الحاصلة بغير الاختيار، بل قولهم شرّ من قول النصارى ومشركي العرب من بعض الوجوه". اهـ

بتصرف من: "النبوات"، (1/ 139_141).

فهي تشبه إلى حد كبير، إن لم تكن أفحش معنى، مقالة النصارى في الولادة، إذ انفصلت الكلمة عن ذات الرب، جل وعلا، عند طائفة من النصارى هم الملكانيون أو الكاثوليك، فصارت أقنوما تجسد في المولود من رحم البتول عليها السلام، وذلك من الفساد بمكان، إذ لازمه، كما تقدم في أكثر من موضع، تجسد الصفة غير المخلوقة في مخلوق متحيز فتكتسب وصفه ويجوز عليها ما يجوز عليه من الفناء، وللذات المتصفة بها حكمها، فعلى التسليم ببقائها وصفا للرب، جل وعلا، إن جاز انفصالها عنه وتجسدها في مخلوق، فالمسألة أوهام بعضها فوق بعض!، إن سلم بذلك، فجواز الفناء عليها لازمه جواز الفناء على الذات المتصفة بها، فتكون الذات القدسية مما يجوز عليه ما يجوز على الذوات المخلوقة من الفناء، وذلك من المحال الذاتي، في حق الرب، جل وعلا، فإذا كان ذلك التولد من الرب، جل وعلا، محالا ولو كان المتولد ذاتا مخلوقة بعينها، وإن شرفت، فكيف بمن قال بأن هذا العالم بأكمله، وفيه من الأعيان السفلية الخبيثة ما فيه، قد صدر عن ذات الرب، جل وعلا، صدور المولود من والده، فانفصل منه، فالعالم عندهم معلول علته ذات الرب، جل وعلا، لكونهم كما تقدم، قد نفوا صفات كماله الفاعلة التي تصدر عنها الكلمات التكوينية النافذة، فهي العلة التي ليس وراءها علة، وليس لها ما لمعلولها الذي يصدر عنها من وصف الخلق، فالعالم الذي صدر عنها: مخلوق، وهي غير مخلوقة لكونها من وصف الرب، جل وعلا، فكلماته منه بدت، وللصفة حكم الموصوف بها بداهة، وهذا فرقان بين قول أهل الحق، ومن خالفهم في هذا الأصل من أهل الباطل كالنصارى القائلين بخلق الكلمة ناسوتا طينيا مولودا من فرج امرأة،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير