تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قال بالولادة الاختيارية فنص على نفيها فرعا عن نفي اتخاذه، تبارك وتعالى، الصاحبة، فنفي السبب نفي للمسبَّب الصادر عنه بداهة، فاتخاذ الصاحبة لا ينفك عن وصف حاجة يتنزه عنه الرب، جل وعلا، الغني بذاته، واتخاذ الولد لا ينفك عنه، أيضا، وصف الافتقار إليه أنيسا وظهيرا حال الكبر والهرم، وكل ذلك مما يتنزه عنه الرب، جل وعلا، فهو كما تقدم، الغني بذاته عن الأسباب، فغناه وصف لازم له، بخلاف من سواه فغناه لا ينفك عن وصف الافتقار إلى الأسباب التي أجراها الرب، تبارك وتعالى، فهو المغني لغيره، فجمع له من الوصف: اللازم في نفسه والمتعدي إلى غيره.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"فإنّ كون المخلوق مملوكاً لخالقه، وهو مفتقر إليه من كل وجه، والخالق غنيّ عنه يُناقض اتّخاذ الولد؛ لأنه إنما يكون لحاجته إليه في حياته، أو ليخلفه بعد موته. والربّ غنيّ عن كلّ ما سواه، وكلّ ما سواه فقيرٌ إليه، وهو الحي الذي لا يموت". اهـ

"النبوات"، (1/ 139_140).

ومن قال بالولادة الاضطرارية على جهة الإيجاب الذاتي، فأثبت، عز وجل، لنفسه صفة الخلق لكل شيء، وذيل بوصف العلم، إذ لا يكون خلق إلا بعلم سابق، ولا يقوم العلم إلا بحي له إرادة، فتلك من المتلازمات العقلية التي أشار إليها من تكلم في أنواع الدلالات لأسماء وصفات الرب، جل وعلا، فاسم الحي يدل على صفة الحياة تضمنا، ويدل على غيرها مما يقوم بالحي من علم وإرادة ...... إلخ لزوما، وذلك متصور في حق المخلوق الناقص، فكيف بالخالق الكامل، تبارك وتعالى، فذلك، ثابت له، كما تقدم، بقياس الأولى المشفوع بالنص، فثبت له بذلك من وصف الإرادة ما يكون به فاعلا مريدا مختارا، وكيف يصح في الأذهان أن يكون الإنسان، وإن سفلت همته فلا ينفك عن إرادة واختيار لما ينفعه أو يظنه كذلك وإن كان يضره في نفس الأمر لنقص علمه، كيف يصح أن يكون فاعلا مريدا مختارا مع نقص علمه ووصفه، ويكون الرب، جل وعلا، مع ما له من كمال العلم المحيط وكمال الوصف جلالا وجمالا، قدرة وحكمة، خلقا وتدبيرا، يكون مع ذلك الوصف الكامل فاعلا مضطرا مجبورا فلا إرادة له في إيجاد مخلوقاته بل توجد رغما عنه وتتولد منه على جهة الاضطرار الذي يتنزه عنه آحاد المختارين من البشر؟!، وتلك إحدى ثمار العقل إذا ضل الطريق فلم يسلك مسلك الوحي الذي جاءت به النبوات، فيصدق بالمحال الذاتي، ويبني عليه من الأقوال واللوازم ما قد علم اضطرارا بطلانه، فلا يصدقه إلا فاسد العقل أو عديمه.

ونظير الآية السابقة قوله تعالى: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا)

فنفى الولادة الاختيارية في قوله: (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا)، وأثبت الخلق وما يستلزمه من كمال العلم الذي منه التقدير الأزلي للكائنات فلا يكون ذلك إلا بعلم أول محيط، ولا يقوم، ذلك العلم، كما تقدم، إلا بحي مريد.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 02 - 2010, 08:05 ص]ـ

وعن الطائفة الثانية يقول ابن القيم رحمه الله:

"أقرت بقدرته وعموم مشيئته للكائنات وجحدت حكمته وما له فى خلقه من الغايات المحمودة المطلوبة له سبحانه التى يفعل لأَجلها ويأْمر لأَجلها، فحافظت على القدر وجحدت الحكمة، وهؤلاءِ هم النفاة للتعليل والأَسباب والقوى والطبائع في المخلوقات، فعندهم لا يفعل لشيء ولا لأجل شيء، وليس في القرآن عندهم لام تعليل ولا باءُ تسبب، وكل لام توهم التعليل فهي عندهم لام العاقبة وكل باءٍ تشعر بالتسبب فهي عندهم باءُ المصاحبة وهؤلاء سلطوا نفاة القدر عليهم بما نفوه من الحكمه والتعليل والأسباب فاستطالوا عليهم بذلك، ووجدوا مقالاً واسعاً بالشناعة فقالوا وشنعوا، ولعمر والله إنهم لمحقون في أَكثر ما شنعوا عليهم به، إِذ نفي الحكمة والتعليل والأَسباب له لوازم فى غاية الشناعة، والتزامها بمكابرة ظاهرة لعامة العقلاءِ". اهـ

ص134_135.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير