تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حد التشبيه في الحقائق فرعا عن التشابه في المعاني الكلية المطلقة، فأثبتوا للرب، جل وعلا، أوصافا من جنس أوصاف البشر، كما أثبت الأولون له، جل وعلا، أفعالا من جنس أفعال البشر، فمكمن الداء واحد وهو عدم التمييز بقدر فارق بين مرتبة الربوبية الكاملة، ومرتبة العبودية الناقصة، ومنشأ الضلال في هذا الباب التشبيه فإما:

تشبيه للرب، جل وعلا، بالعباد فذلك الجفاء في حقه بالتسوية بينه وبين خلقه.

وإما تشبيه للعباد به، جل وعلا، بخلع أوصاف الربوبية عليهم وصرف أجناس من الألوهية لهم، فالثاني لازم الأول، إذ من اعتقد في مخلوق أنه يعلم الغيب المطلق، أو يستقل بالنفع والضر، أو يحل الرب، جل وعلا، فيه أو يتحد به، أو هو جزء من الإله، أو هو مخلوق من الإله، من نوره أو من أعلاه أو من أسفله، كما قال بعض الملاحدة، أو هو من جنس فوق جنس البشر فهو وسيط بينهم وبين الرب، جل وعلا، فيه من أوصافهم ما يصيره بشريا، وفيه من أوصاف الرب، جل وعلا، ما يصيره إلهيا!، فله صورة أرضية، وحقيقة إلهية، وذلك يشبه من وجه قول النصارى في اللاهوت العلوي والناسوت السفلي ........ إلخ، فكل من اعتقد شيئا من ذلك في بشر مخلوق فلا بد أن يغلو فيه فيتخذه إلها، ولو من وجه، من دون الله، يصرف إليه من أجناس التأله ما لا يجوز صرفه إلا للرب افله المعبود بحق جل وعلا.

وإلى هذين النوعين من التشبيه، أشار شارح الطحاوية، رحمه الله، بقوله:

"وَالشُّبْهَةُ الَّتِي فِي مَسْأَلَةِ الصِّفَاتِ نَفْيُهَا وَتَشْبِيهُهَا، وَشُبْهَةُ النَّفْيِ أَرْدَأُ مِنْ شُبْهَةِ التَّشْبِيهِ، فَإِنَّ شُبْهَةَ النَّفْيِ رَدٌّ وَتَكْذِيبٌ لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشُبْهَةَ التَّشْبِيهِ غُلُوٌّ وَمُجَاوَزَةٌ لِلْحَدِّ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَتَشْبِيهُ اللَّهِ بِخَلْقِهِ كُفْرٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وَنَفْيُ الصِّفَاتِ كُفْرٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. وَهَذَا أصل نَوْعَيِ التَّشْبِيهِ، فَإِنَّ التَّشْبِيهَ نَوْعَانِ: تَشْبِيهُ الْخَالِقِ بِالْمَخْلُوقِ، وَهَذَا الَّذِي يَتْعَبُ أَهْلُ الْكَلَامِ فِي رَدِّهِ وَإِبْطَالِهِ، وَأَهْلُهُ فِي النَّاسِ أَقَلُّ مِنَ النَّوْعِ الثَّانِي، الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ تَشْبِيهِ الْمَخْلُوقِ بِالْخَالِقِ، كَعُبَّادِ المسيح، وَعُزَيْرٍ، وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالْأَصْنَامِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّارِ، وَالْمَاءِ، وَالْعِجْلِ، وَالْقُبُورِ، وَالْجِنِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ أُرْسِلَتْ لَهُمُ الرُّسُلُ يَدْعُونَهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ". اهـ

"شرح الطحاوية"، ص185.

فشركهم في الألوهية كائن لا محالة فرعا عن غلوهم في وصف المخلوق بنعته بنعوت الربوبية علما أو تدبيرا أو تصرفا في الكون: إيجادا أو إعداما، نفعا أو ضرا .... إلخ من الأوصاف والأفعال التي لا تثبت لغير الرب جل وعلا.

وأما الطائفة الرابعة فهي مسك ختام هذه القسمة الرباعية فقد سلمت مما وقعت فيه الثلاثة قبلها من النفي والغلو والجفاء، فحدها: التوسط والاقتصاد وفق ما جاء به الكتاب، فلا غلو ولا جفاء، فالله، عز وجل، عندهم، قدير ذو قدرة نافذة فلا راد لقضائه الكوني، حكيم ذو حكمة بالغة فلا يضاهي شرعَه شرعٌ، ولا يداني حكمَه حكمٌ، خالق لكل شيء، أراد كونا أن تقع المعصية فلا يعصى قهرا، وتنزه عن الرضا بالفحشاء فلم يردها شرعا، بل أبغضها وتوعد فاعلها، فله كمال القدرة في الملك، وله كمال الحكمة في التدبير.

وعن هذه الطائفة يقول ابن القيم في كلام لا يحتاج مزيد بيان:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير