تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"فهدى الله الطائفة الرابعة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاءُ إلى صراط مستقيم، فآمنوا بالكتاب كله، وأقروا بالحق جميعه، ووافقوا كل واحدة من الطائفتين على ما معها من الحق، وخالفوهم فيما قالوه من الباطل، فآمنوا بخلق الله وأَمره بقدرته وشرعه وأَنه سبحانه المحمود على خلقه وأَمره، وأَنه له الحكمة البالغة والنعمة السابغة، وأَنه على كل شيء قدير: فلا يخرج عن مقدوره شيء من الموجودات أَعيانها وأَفعالها وصفاتها، كما لا يخرج عن علمه، فكل ما تعلق به علمه من العالم تعلقت به قدرته ومشيئته. وآمنوا مع ذلك بأَن له الحجة على خلقه، وأنه لا حجة لأحد عليه بل لله الحجة البالغة وأَنه لو عذب أَهل سماواته وأَهل أَرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، بل كان تعذيبهم منه عدلاً منه وحكمة لا بمحض المشيئة المجردة عن السبب والحكمة كما يقوله الجبرية، ولا يجعلون القدر حجة لأَنفسهم ولا لغيرهم، بل يؤمنون به ولا يحتجون به ويعلمون أَن الله سبحانه أَنعم عليهم بالطاعات وأَنها من نعمته عليهم وفضله وإِحسانه، وأَن المعاصي من نفوسهم الظالمة الجاهلة، وأَنهم هم جناتها وهم الذين اجترحوها، ولا يحملونها على القضاء والقدر مع علمهم بشمول قضائه وقدره لما في العالم من خير وشر وطاعة وعصيان وكفر وإِيمان، وأَن مشيئة الله سبحانه محيطة بذلك كإحاطة علمه به، وأَنه لو شاءَ أَلا يعصى لما عصي وأَنه سبحانه أَعز وأَجل من أَن يعصى قسراً، والعباد أَقل من ذلك وأَهون، وأَنه ما شاءَ الله كان وكل كائن فهو بمشيئته، وما لم يشأْ لم يكن، وما لم يكن فلعدم مشيئته، فله الخلق والأَمر وله الملك والحمد وله القدرة التامة والحكمة الشاملة البالغة.

فهذه الطائفة هم أَهل البصر التام، والأولى لهم العمى المطلق، (وهم: النفاة مطلقا من الفلاسفة والجهمية ومن لف لفهم)، والثانية والثالثة كل طائفة منهما لهم عين عمياءُ، ومع هذا فسرى العمى من العين العمياءِ إلى العين الصحيحة فأَعماها ولا يستكثر تكرار هذا الكلمات من يعلم شدة الحاجة إليها وضرورة النفوس إِليها، فلو تكررت فالحاجة إليها فى محل الضرورة. والله المستعان". اهـ

بتصرف من: ص135، 136.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 03 - 2010, 07:48 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"ويجمع هذين الأَصلين العظيمين أَصل ثالث هو: عقد نظامهما وجامع شملهما، وبتحقيقه وإِثباته على وجهه يتم بناءُ هذين الأَصلين وهو: إِثبات الحمد كله لله رب العالمين فإِنه المحمود على ما خلقه وأَمر به ونهى عنه، فهو المحمود على طاعات العباد ومعاصيهم وإِيمانهم وكفرهم، وهو المحمود على خلق الأَبرار والفجار والملائكة والشياطين وعلى خلق الرسل وأَعدائهم، وهو المحمود على عدله فى أَعدائه كما هو المحمود على فضله وإِنعامه على أَوليائه، فكل ذرة من ذرات الكون شاهدة بحمده، ولهذا سبح بحمده السموات السبع والأَرض ومن فيهن: {وَإِن مِن شَيءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} ". اهـ

ص136.

فالرب، جل وعلا، هو المحمود، على كل حال، فلا يحمد على مكروه سواه، فهو المحمود على الطاعات فهي من فضله، وهو المحمود على المعاصي فهي من عدله، فقدرها على من شاء من عباده، بعلمه الأول، فلا راد لقضائه، ويسر لهم أسبابها لحكمة جليلة، فهي شر باعتبار الحال، ذريعة إلى خير أعظم فمآلها خير تعظم مصلحة وقوعه مفسدة وقوع الشر العارض، وتلك من صور الحكمة الجليلة التي تقتضي الحمد على كل حال، فله الحمد في السراء فذلك ظاهر لكل أحد، وليس سراء أعظم من طاعته فـ: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، وله الحمد في الضراء، فذلك من الخفي الذي لا يظهر لكل أحد، وإنما يلمحه أصحاب القلوب الراسخة إذا نزل الابتلاء، فالسعة زمن يسهل فيه إطلاق الدعاوى من كل أحد، فإذا جاء الضيق تبين من بكى ممن تباكى، وليس أحسن للعبد من سؤال العافية فالتعرض إلى الابتلاء دون مصلحة شرعية راجحة وإنما محض طيش وتهور، والتصدر للشبهات والشهوات وثوقا بالنفس على ردها، مظنة الخذلان بانفساخ الهمة حال الابتلاء، والوقوع في أسر الشبهات والشهوات فلا فكاك، والقدر الفارق بين الشجاعة نصرة للديانة،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير