تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والتهور حمية بلا علم يكبح جماح النفس، قدر دقيق، لا يوفق إلى تحريره إلا من امتن عليه الباري، عز وجل، بالنظر في المآلات دون وقوف على ظاهر الحال، والقدر الفارق بين التصدي لأهل البغي على الأديان من أصحاب الشبهات والشهوات، والتعدي بالخوض معهم في باطلهم بحجة بيانه والتحذير منه، قدر دقيق، أيضا، لا يحصل تحريره إلا بنية خالصة، وعلم نافع يعصم، وعمل صالح يزيل ما يعلق بالنفس من آثار تلك الأدران فلا ينفك مباشرها، ولو كان من أهل الإخلاص والعلم، عن درن يلحقه من مباشرة تلك القاذورات فيلزمه غسل قلبه ولسانه وجوارحه بماء الذكر والعمل الصالح، لتطهر المحال مما علق بها.

ولذلك كان الواجب على من كفاه غيره من أهل الفضل والإخلاص ممن نرى جهودهم في بيان الدين الصحيح ودحض شبه المفترين من المنصرين ومن على شاكلتهم من أهل البدع المغلظة وقد استطالوا وظهروا بباطلهم في الأعصار الأخيرة، كان الواجب عليه أن يحمد الرب، جل وعلا، على أن كفاه بتلك الفئة المرابطة على ثغور الديانة مؤنة هذا الأمر، فليدع لهم بالتوفيق وسداد الرمي، وليشاركهم الذب عن الديانة إن كان أهلا له، ولو بإتمام ما فاتهم، فالسيل اجتماع لحبات المطر، وقليل إلى قليل كثير، والأصل، كما تقدم، الفرار بالدين فرار الصحيح من المجذوم، إلا إن اضطر الإنسان إلى ما ليس منه بد، وتلك نصيحة أهدانيها أحد الفضلاء ممن له عناية بهذا الشأن، وهي جديرة بالامتثال ففيها صيانة للأديان، أغلى ما يملك الإنسان.

والشاهد أنه، عز وجل، محمود في الأولى والآخرة، فحمده أهل الدنيا على ما أجراه من الأرزاق الشرعية والكونية، وحمده أهل الآخرة مؤمنهم وكافرهم، فذلك تأويل قوله تعالى: (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، وإليه أشار ابن كثير، رحمه الله، بقوله: "ثم قال: {وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: ونطق الكون أجمعه - ناطقه وبهيمه - لله رب العالمين، بالحمد في حكمه وعدله؛ ولهذا لم يسند القول إلى قائل بل أطلقه، فدل على أن جميع المخلوقات شَهِدَت له بالحمد". اهـ

ومن مأثور كلام الحسن رحمه الله: "لقد دخلوا النار وإن حمده لفي قلوبهم ما وجدوا عليه سبيلاً". اهـ

فهو الحكم العدل، سبحانه، لم يظلمهم شيئا كان لهم وإنما هو محض عطائه فيهبه لمن شاء فضلا ويمنعه من شاء عدلا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 03 - 2010, 07:59 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وأَيضاً فالحمد: هو الإِخبار بمحاسن المحمود على وجه الحب له". اهـ

ص137.

فالحمد مئنة من المحبة، ولذلك صح في حق الرب، جل وعلا، حال المحبوب وحال المكروه، فالعبد يحب الرب، جل وعلا، لذاته، ومن ذلك حبه للأفعال القائمة بها، وقدره النافذ بما يحب العبد أو يكره من فعله، فلو تدبر العبد ذلك حال المصيبة لهانت عليه فهي جارية بتقدير الرب، جل وعلا، عليه، وقدره، كله خير، إذ هو من فعله، وليس في فعله شر، وإنما الشر في المفعول المقدور لا في الفعل المقدِّر أو من اتصف به جلا وعلا، فليس الشر إليه تبارك وتعالى، كما تقدم مرارا، وقليل من يلحظ هذه المعاني حال الذهول بما يقع للمكلف من المصائب، وإنما يسهل لحظها في أزمنة السلامة، أو بعد انقضاء الابتلاء بزمان فيندم من جزع ويتمنى أن لو صبر!، والصابر من صبره الله، عز وجل، فمنه، جل وعلا، وحده السداد والثبات فمن شاء ثبته فذلك من فضله تبارك وتعالى فلا تنال منه الشدائد، ومن شاء أزاغه فانفسخت همته مع أول بادرة شدة فذلك من عدله، عز وجل، وسؤال السلامة والعافية ابتداء فعل كل العقلاء بخلاف من وكل إلى نفسه فظن فيها قوة وجلدا فركن إليها برسم الغرور فإذا وقع الابتلاء انحل ما عقده فوكل إلى نفسه، وليس عندها إلا الجزع والسخط المستوجب لغضب الرب، جل وعلا، ولو دافع الابتلاء بالدعاء قبل وقوعه، وبمباشرة أسباب رفعه إذا وقع، أو الصبر عليه إن عجز لكان خيرا له وأحسن تأويلا، والعبد يحبه لما يصله إليه من نعمه، فيحمده عليها، فالأول حبه لذاته ولوصف الكمال اللازم لها، فهو المحمود لذاته،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير