تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المحبوب لذاته، فلا يحمد لذاته ولا يحب لذاته إلا هو، لكمال وصف ذاته اللازم، فعلمه وحكمته وقدرته ... إلخ قد بلغت الغاية من الكمال فلا يحيط بها عقل، وإن أدرك معناها، فالطمع في إدراك حقيقتها أو الإحاطة بها: مقطوع. فكما أن كلمته الكونية النافذة هي العلة التي لا علة وراءها، فهي الصادرة عن أوصاف جلاله وجماله، فكل مخلوق بها كائن، فإليها منتهى الأسباب، فكذلك الله، عز وجل، هو المحمود المحبوب لذاته، كما تقدم، فكل ما سواه، ولو كان من أنبيائه ورسله عليهم السلام، إنما يحب لغيره، ولما نال الإنسان من خيره، فيحب لفعله المتعدي، وإن أحبه غيره لوصف ذاته، فذلك إنما يرجع عند التحقيق، لما ناله من آثار هذا الوصف فيحب المسلمون، على سبيل المثال، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكمال وصفه الذاتي، فقد بلغ منتهى الكمال البشري، فلم يخرجه ذلك عن حد البشرية، ولكن ذلك الحب الذي يقع من المحبين ديانة، بل تخلفه نقض لأصل الديانة، فمحبته ونصرته والغضب والانتصار له ممن قدح في شخصه الكريم والذب عن عرضه الشريف كل أولئك من أصل الشهادتين اللتين يلج المكلف منهما إلى باحة الإسلام، ولكن ذلك الحب مع كل ذلك إتما يرجع في حقيقته لما نال المسلمين من وصف فعله المتعدي فقد نالهم من خيره ما صلح به أمر معاشهم فصلاح هذه الدنيا ببقاء أثر رسالته: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، فالرسالة، كما تقدم مرارا، مادة صلاح هذا العالم، وصلح به أمر معادهم فصلاح الآخرة من صلاح الدين، ولا صلاح للأديان إلا بتصديق خبر الوحي الصادق وامتثال أمره المحكم، ولا يقتبس ذلك إلا من مشكاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيحبه المكلفون لما نالهم من هذه الكرامات الدينية والدنيوية، فبرسالته انتظمت أمورهم الدنيوية والأخروية، وهذا بخلاف حب الرب، جل وعلا، فهو أعظم وصفا وقدرا، فهو، جل وعلا، كما تقدم، المحبوب لذاته، فرعا عما اتصف به من الكمال المطلق أزلا وأبدا، فلو لم يصل العباد منه أي خير، وذلك محال وإنما يساق مساق الفرض العقلي المحض، إن لم يصله من آثار أوصافه الكاملات خير قط، لاستحق كمال الحمد والحب لما قام بذاته القدسية من أوصاف الكمال العلية، وهذا فرقان بين حب الرب، جل وعلا، وحب العبد، فالعاقل كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين من لا تزاحم محبة الله، عز وجل، في قلبه، محبة أخرى، فإن زاحمتها انقلبت حبا في الله، عز وجل، فصارت للأولى مؤيدة مقوية، لا ناقضة موهنة، وحبه، جل وعلا، هو الحب الوحيد الذي يقبل الشراكة بلا غيرة، بل تكون الغيرة بإعراض البشر عن محبته، فيغار حبيبه أن أعرض غيره عن محبته فيدعوهم إليها ويرغبهم فيها، وتقر عينه بكثرة المحبين له، جل وعلا، بخلاف حب غيره فهو قائم على الأثرة والشح، لما جبل عليه الإنسان من فطرة صحيحة في مواضع، كحب الزوجة فإن الأثرة والشح فيه مئنة من الغيرة الحميدة فلا يقبل من فيه بقية آدمية تخرجه عن حد الحيوانية بل ربما كان كثير من الحيوانات خيرا منه، لا يقبل أن يشاركه غيره من الأجانب حب امرأته!، وما جبل عليه من خلال الشخ والبخل المذموم في مواضع أخر، كحبه للجاه والسلطان فلا يقبل، أيضا، أن يشاركه غيره فيه، فيظلم ويبطش بمن ينازعه سلطانه الزائل الزائف، وذلك مئنة من فقره الذاتي اللازم، بخلاف الرب، جل وعلا، الذي انتفى وصف الظلم في حقه فرعا عن كمال غناه عن خلقه وتمام ملكه لما سواه من الأعيان إيجادا والأحوال تدبيرا فالكون كله بكلماته الكونيات قائم ولها خاضع وبها سائر، فلا يخرج عن سلطانها مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.

فالأول: كما تقدم، حبه لذاته، والثاني حبه لوصفه، وقد اجتمع كلا النوعين في حق الرب، جل وعلا، فيحب، كما تقدم، لكمال الوصف اللازم من علم وحكمة وقدرة ..... إلخ، ويحب لكمال وصفه المتعدي إلى عباده من رحمة ورزق ..... إلخ.

فقيد: "على وجه الحب له": فرقان بين الحمد بذكر أوصاف المحمود في معرض الثناء، وذكرها في معرض الإقرار، كما يقع من حمد الأعداء لخصال القوة والحكمة ....... إلخ، في أعدائهم، فليس ذلك بحب، وإنما هو من الفضل الذي شهدت به الأعداء فلم يخرجهم ذلك عن حد عدواته، وتأمل وصف العقلاء من أعداء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لشخصه الكريم، فهو الصادق الأمين، وهو القائد المحنك، وهو الزوج الحكيم، وهو رئيس الدولة العادل، وهو المعلم الرفيق ...... إلخ، فثناؤه على لسان أعدائه فضلا عن أوليائه في كل عصر ومصر كائن، فلا يملك منصف وإن كان من أعدى أعدائه إلا أن يثني عليه بأوصافه، وإن لم يؤمن بنبوته، فهي عنده جارية مجرى العبقرية، كأي عبقرية بشرية، وإن أقر مع ذلك أنه قد بلغ منها المرتبة العليا، ولكنه لم يؤمن بالقدر الفارق بين عظمته وعظمة من سواه: قدر النبوة، فليس محبا له، وإنما غايته أنه مقر بعظمته، على ما تقدم من كون الفضل ما شهدت به الأعداء. فالحمد هو الثناء على وجه الحب لا الإقرار المجرد الذي يقع من أي منصف لعدوه.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير