تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 03 - 2010, 08:17 ص]ـ

يقول ابن القيم، رحمه الله، في معرض تفسير قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْد، مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيء بَعْد":

"وقد اختلف الناس فى معنى كون حمده يملأُ السموات والأَرض وما بينهما، فقالت طائفة على جهة التمثيل: أَي لو كان أَجساماً لملأَ السموات والأَرض وما بينهما قالوا: فإِن الحمد من قبيل المعاني والأَعراض التى لا تملأُ بها الأجسام، ولا تملأُ الأجسام إلا بالأجسام.

والصواب: أَنه لا يحتاج إِلى هذا التكلف البارد فإن من كل شيء يكون بحسب الماليء والمملوءِ، فإِذا قيل امتلأَ الإِناءُ ماءً وامتلأَت الجفنة طعاماً فهذا الامتلاءُ نوع، وإِذا قيل: امتلأَت الدار رجالاً وامتلأَت المدينة خيلاً ورجالاً فهذا نوع آخر. وإِذا قيل: امتلأَ الكتاب سطوراً فهذا نوع آخر، وإِذا قيل: امتلأَت مسامع الناسِ حمداً أَو ذماً لفلان فهذا نوع آخر في أثر معروف: أهل الجنة من امتلأت مسامعه من ثناءِ الناس عليه، وأَهل النار من امتلأَت مسامعه من ذم الناس له". وقال عمر بن الخطاب في عبد الله بن مسعود كنيف مليء علماً، ويقال: فلان علمه قد ملأَ الدنيا. وكان يقال: ملأ ابن أبى الدنيا الدنيا علماً. ويقال: صيت فلان قد ملأ الدنيا وضيق الآفاق وحبه قد ملأَ القلوب، وبغض فلان قد ملأَ القلوب، وامتلأَ قلبه رعباً، وهذا أَكثر من أَن تستوعب شواهده، وهو حقيقة فى بابه وجعل الملء والامتلاءِ حقيقة للأَجسام خاصة تحكم باطل ودعوى لا دليل عليها ألبتة، والأَصل الحقيقة الواحدة، والاشتراك المعنوى هو الغالب على اللغة والأَفهام والاستعمال، فالمصير إِليه أَولى من المجاز والاشتراك اللفظي وليس هذا موضع تقرير هذه المسأَلة". اهـ

ص138.

فالامتلاء لا يلزم منه الامتلاء الحسي كامتلاء الكوب بالماء، ليقال بأنه حقيقة في المحسوسات مجاز في المعقولات كالحمد، بل الامتلاء ثابت للمعاني ثبوته للمحسوسات، فيقال: امتلأ فلان علما، أي قام به وصف العلم على جهة الإحاطة بجملة وافرة من مسائله وإن لم يلزم منه الاستيعاب فذلك محال في حق البشر الذين قلت علومهم وإن كثرت بمقابلتها بعلم الرب جل وعلا المحيط بكل ذات ووصف، ويقال امتلأ فلان غضبا فهو غضبان، فالغضب وصف يقوم بالذات، وامتلأ فلان بالطعام فهو شبعان، فإن الامتلاء وإن كان بالطعام وهو محسوس، إلا أن لذة الشبع الواقعة عقيبه من المعاني التي تقوم بالذات. ومنه اسم الله، عز وجل، "الرحمن"، فهو مئنة من عظم رحمته العامة، تبارك وتعالى، فوسعت كل شيء، فتسع المؤمن والكافر، فهي من تيسيره الأسباب الكونية التي يصلح بها معاش عموم البرية، وذلك أمر تشترك فيه جميع الخلائق، فذلك وجه عمومها، والعموم مظنة الكثرة قدرا والعظم قدرا، وذلك مما تلائمه دلالة صيغة: "فعلان" على الامتلاء، كما ذكر ذلك سيبويه رحمه الله في "الكتاب"، وقد تعلقت الصيغة هنا، أيضا، بمعنى، فالرحمة وصف معنوي قائم بذات الله، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله، فلا يماثل رحمة المخلوق، وإن اشترك معها في الأصل الكلي الجامع، فلا حاجة كما تقدم من كلام ابن القيم، رحمه الله، إلى القول بأنها حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر، على الخلاف في ذلك، كما أشار إليه ابن تيمية، رحمه الله، في معرض بيان وجه الاشتراك بين وصف الرب، جل وعلا، ووصف العبد، بقوله:

"وقد تنازع الناس فيما يسمى به سبحانه ويسمى به غيره كالحي والعليم والقدير.

فالجمهور على أنه حقيقة فيهما وقالت طائفة كأبي العباس الناشي: إنها حقيقة في الرب عز وجل مجاز في المخلوق وقالت طائفة عكس هؤلاء من الجهمية والملاحدة والمتفلسفة إنها مجاز في الرب عز وجل حقيقة في المخلوق والأولون هي عندهم متواطئة وقد يسمونها مشككة لما فيها من التفاضل وبعضهم يقول هي مشتركة اشتراكا لفظيا". اهـ

"الجواب الصحيح"، (2/ 175).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير