تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فرجح القول بكون المعنى حقيقة في كليهما على جهة التفاضل والتباين تبعا لتباين الذوات التي يقوم بها هذا المعنى، بنسبته إلى الجمهور، فذلك أولى من الصيرورة إلى المجاز، وقد وجدت المندوحة عنه، فهو خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلا عند تعذر حمل الكلام على الحقيقة، إن سلم بوقوعه في نصوص الشريعة، على الخلاف الشهير في هذه المسألة الشائكة، وقد جاز حمل الكلام على الحقيقة في هذا الموضع بحمل القدر المثبت من الحقيقة على المعنى الكلي الجامع، فهو مطلق في الأذهان، فيقع الاشتراك فيه على جهة الاشتراك المعنوي، فذلك القدر من المعنى، والذي لا يلزم منه تماثل أو تشابه في الكيف أو الحقيقة الخارجية، ذلك القدر حقيقة في كليهما، فالمشترك المعنوي، كما تقدم مرارا، لا يلزم من إثباته، امتناع وقوع الشركة فيه، فإن الشركة إنما تنتفي في الحقائق الخارجية الجزئية لا في المعاني الذهنية الكلية، فيكون حقيقة في كليهما من جهة المعنى الكلي، فهو محكم من هذا الوجه، ويختلف الكيف خارج الذهن فمنه المحكم الذي تدركه الحواس كسائر أوصاف المدركات في عالم الشهادة، ومنه المتشابه كسائر أوصاف المغيبات، من صفات في باب الإلهيات أو أوصاف لدار الجزاء فذلك من باب السمعيات، التي تشترك مع المشاهدات في المعاني الكلية للأوصاف، والألفاظ الدالة عليها.

وكذلك الحال في وصف الامتلاء، فإنه يقال في معرض بيان مراد المتكلم منه:

الامتلاء مادة كلية تقبل الانقسام، فهي تدل على ما تحتها من الأفراد: دلالة المشترك المعنوي على أفراده، فهو، كما تقدم، حقيقة في كل أفراده، وإنما يتباين الكيف بتباين الذوات التي يقوم بها الوصف، فالامتلاء المطلق قدر معنوي مشترك بين:

الامتلاء الحسي: كامتلاء الكوب بالماء فيقيد به في موضعه إن أراده المتكلم.

والامتلاء المعنوي: كامتلاء النفس بسائر أنواع الأوصاف الذاتية: كالعلم، أو الفعلية: كالغضب، فيقيد به، أيضا، في موضعه، ومن جهة أخرى يرد التقييد على الامتلاء المعنوي فهو نوع بالنسبة إلى ما فوقه من مادة الامتلاء الكلية، جنس لما تحته باعتبار من يوصف به، فيرد التقييد عليه باعتبار الذات التي يتصف بها، فيكون تبعا لها في الكمال أو النقصان، وهذا أصل، كما تقدم في مناسبات كثيرة، في باب الصفات الإلهية، فإنها بعضها يشترك مع بعض صفات البشر في المعاني الكلية، ولا يلزم من ذلك تشابه في الكيف، فلكل كيف يليق به: الرب الخالق، جل وعلا، كمالا يليق بجلاله، والعبد المخلوق نقصانا يليق بحاله.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 03 - 2010, 07:55 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"والمقصود أن الرب أسماؤه كلها حسنى ليس فيها اسم سوء، وأوصافه كلها كمال ليس فيها صفة نقص وأفعاله كلها حكمة ليس فيها فعل خال عن الحكمة والمصلحة، وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم، موصوف بصفة الكمال مذكور بنعوت الجلال منزه عن الشبيه والمثال ومنزه عما يضاد صفات كماله". اهـ

ص138.

فأسماؤه، عز وجل، حسنى، فليست حسنة، وإنما قد بلغت الغاية في الحسن، فدلالة: "أل" في اسم التفضيل: "الحسنى" عهدية، تشير إلى حسن معهود في الذهن، وإن يحط به دركا، فهو حسن قد بلغ الغاية فتعالى أن يحيط به عقل مخلوق.

وكذلك أوصافه، عز وجل، فهي قد بلغت الغاية في الكمال، فلا وجه لاحتمال نقص فيها، فتثبت على الوجه اللائق بجلاله بعيدا عن أوهام التجسيم والتشبيه والتمثيل، التي تؤدي بصاحبها حتما إلى التعطيل، فإما أن يعطل الرب، جل وعلا، بنفي وصفه فرارا من لوازم قياسه الفاسد على أوصاف البشر شمولا أو تمثيلا، كما تقدم مرارا، وإما أن يعطله بإثباته على كيف يماثل أو يشابه كيف صفات المخلوق فيكون قد عطل الرب، جل وعلا، عن كماله بتشبيهه بالمخلوق الناقص، فلا شبيه له، عز وجل، في كنه ذاته أو ما قام بها من أوصاف الكمال، ولا نظير ولا ند له من باب أولى، فانتفاء التشبيه الأدنى يلزم منه بقياس الأولى نفي التمثيل الأعلى، فالتمثيل أشد قبحا، فنفيه الأشد يلزم منه نفي الأخف بداهة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير