تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ليس المراد به الحمد الخارجى فقط.

المعنى الثاني أَن يقال: "لَكَ الْحَمْد كلُّه" أي الحمد التام الكامل فهذا مختص بالله عز وجل ليس لغيره فيه شركة. والتحقيق أَن له الحمد بالمعنيين جميعاً، فله عموم الحمد وكماله، وهذا من خصائصه سبحانه". اهـ

ص139.

فالحمد لله، كما قرر أهل العلم قد استغرقت أجناس المحامد قدرا فذلك عموم الحمد، ووصفا فهذا كمال الحمد فـ: "أل" فيها جنسية استغراقية، ودلالة الخبر فيها لا تخلو من دلالة الإنشاء، فإن من علم عموم وكمال اتصاف الباري، عز وجل، بأوصاف الكمال على جهة الإطلاق، وتنزهه عن أوصاف النقص على جهة الإطلاق، لزمه أن يحمده بما أنزل على رسله وورد في كتبه، فيكون الخبر: خبرا من جهة الدلالة على كمال الوصف، إنشاء من جهة الأمر بمداومة الحمد لمن هذا وصفه، فالحمد له إثباتا على جهة الاستحقاق والاختصاص، التي تدل عليها لام: "لله"، الحمد له بأشرف أجناس المحامد مما علمه البشر من جهة الوحي من أوصاف الثناء على الرب، جل وعلا، الحمد له بما علمنا وما لم نعلم من وصف كماله فلا يحصي أشرف خلقه ثناء عليه فكيف بمن دونه؟!، الحمد له على جهة الإطلاق فتكون دلالة: "أل" من هذا الوجه لا تخلو من معنى العهد فهو حمد معهود قد بلغ الغاية في الكمال، الحمد له على ما تقدم من الدلالات الخبرية لازمه: احمدوه بأوصاف كماله فالإنشاء لازم الإخبار فلا يخلو خبر، عند التدبر والنظر، من دلالة إنشائية، فإن كان عن الرب، جل وعلا، فهو أمر بالثناء عليه بما أخبر به عن نفسه، وإن كان وعدا فهو آمر: رجاءَ نيل الموعود به، وإن كان وعيدا فهو نهي: خشيةَ وقوع المتوعد به.

وبعض أهل العلم قدر المصدر الذي صدرت به الآية نائبا عن عامله، فتقدير الكلام عنده إنشاء ابتداء: فـ: احمدوا الرب، جل وعلا، حمدا، ثم حذف العامل لدلالة المصدر عليه، ثم رفع مئنة من الثبوت، فالحمد لله آكد في إثبات معاني الثناء للرب، جل وعلا، من: حمدا لله، لدلالة الأولى على الثبوت والاستمرار فذلك من دلالات الإخبار بالجملة الاسمية كما اطرد في كلام البلاغيين، بينما الثانية دالة على التجدد والحدوث، فذلك من دلالات الإخبار بالجملة الفعلية كما اطرد، أيضا، في كلام البلاغيين والرب، جل وعلا، متصف بالكمال المطلق دوما فلم يكتسب، كما تقدم مرارا، وصف كمال كان منه خليا، وإن أحدث من صفات أفعاله الكاملة المتعلقة بمشيئته العامة، فذلك من تجدد آحاد الفعل الذي يوقعه إذا شاء على الوجه اللائق بجلاله، فنوعه أزلي أولي على جهة الإطلاق بأولية الذات القدسية، فلم يكتسب أصل الوصف بعد أن لم يكن له، ليصح القول بأن إحداثه ما شاء من أفعال كماله يلزم منه اتصافه بكمال لم يكن متصفا به، فأصل الصفة أو نوعها، كما تقدم، أولي بأولية الذات القدسية، وآحادها متجددة بتجدد مشيئة الرب، جل وعلا، إيقاعها على الوجه اللائق بجلاله.

فما قيل من دلالة: الحمد لله، و: حمدا لله، من جنس ما قيل في قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ)، فتحيتهم من قبيل الإخبار بالفعل الدال على الحدوث، وتحيته من قبيل الإخبار بالاسم الدال على الثبوت، والثبوت أقوى دلالة من الحدوث، فكانت تحية الخليل عليه السلام أبلغ من هذا الوجه.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فهو المحمود على كل حال وعلى كل شيء أكمل حمد وأَعظمه، كما أَن له الملك التام العام فلا يملك كل شيء إِلا هو وليس الملك التام الكامل إِلا له وأَتباع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم يثبتون له كمال الملك وكمال الحمد فإِنهم يقولون: إِنه خالق كل شيء وربه ومليكه، لا يخرج عن خلقه وقدرته ومشيئته شيء ألبتة فله الملك كله". اهـ

ص139.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير