تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فحمده يستلزم تمام ملكه، فالحمد يستغرق أوصاف الجلال والجمال، وتمام ملكه للأعيان والأفعال، فهو الخالق لها بقدرته المدبر لها بحكمته، فلا يخرج شيء منها عن سلطانه، كل ذلك مئنة من وصف جلاله فهو القدير على كل شيء، ووصف جماله فهو الحكيم المدبر لكل شيء على نحو ينتظم به أمر العالم المشهود، فمن أخرج شيئا من الكون من دائرة ملكه خلقا أو تدبيرا، فقد أشرك معه غيره في ربوبيته، وهذا حال القدرية المجوسية نفاة خلق الأفعال فإنهم وصفوا الرب، جل وعلا، بوصف الجمال فأثبتوا حكمته، وجعلوها من جنس حكمة البشر، فهم مشبهة الأفعال، كما تقدم مرارا، وفرطوا في وصفه، عز وجل، بوصف الجلال، فأثبتوا له بلازم قولهم: شركاء في خلق الأفعال بعدد فاعليها فكل فاعل خالق لفعله على جهة الاستقلال، وهذا، أيضا، حال من ادعى لغيره، عز وجل، تدبيرا في الكون بالتأثير بالنفع أو الضر، وذلك مؤد لا محالة إلى الوقوع في شرك الألوهية، فإن من اعتقد في غير الله، عز وجل، نفعا أو ضرا تعلق قلبه، به رغبة في نفعه أو رهبة من ضره، فصرف له من العبادات الباطنة والظاهرة، كما يرى حول القبور والأضرحة، من مسالك الغلاة في الرهبان أو الأئمة أو الشيوخ .... إلخ من المعظمين برسم الديانة، فالزائر قد علق قلبه بالميت الذي لا يملك لنفسه نفعا أو ضرا فحال الداعي أكمل من حاله بالنظر إلى كونه ميتا قد انقطع عمله فلا ينفع نفسه فضلا عن أن ينفع غيره، بل هو بحاجة إلى نفع غيره من دعاء أو صدقة ..... إلخ من أعمال البر التي يصل إلى الميت نفعها. ومثله في عالم الشهادة من اعتقدوا في الجناة على الشرع المنزل بالتحريف والتبديل، من اعتقدوا فيهم كمال عقل، وهم أنقص الناس عقولا وأفسدهم قياسا، فتابعوهم على ما ضاهوا به الشرع المنزل من الشرع المحدث سواء أكان ذلك في الإلهيات، كما هو حال من خاض فيها بعقله، أو الشرعيات، وهي الصورة الأظهر في زماننا، فقد عطلت الشرائع الحكمية، فاستبدل الناس الشرائع البشرية المضطربة، بالشرائع الرحمانية المنضبطة، فالرضا بذلك ومتابعة واضعه عليه، والاحتكام إليه اختيارا شرك في الربوبية لازمه إشراك محدث تلك الشرائع في الألوهية باتخاذه حكما في المنازعات والإعراض عن حكم رب البريات، جل وعلا، فلفاعله نصيب من قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا).

يقول ابن القيم رحمه الله في معرض بيان طرف من حال القدرية المجوسية وقد صدر الكلام بذكرهم: "والقدرية المجوسية يخرجون من ملكه أَفعال العباد، فيخرجون طاعات الأنبياء والمرسلين والملائكة والمتقين من ملكه كما يخرجون سائر حركات الملائكة والجن والإِنس عن ملكه. وأَتباع الرسل يجعلون ذلك كله داخلاً تحت ملكه وقدرته، ويثبتون كمال الحمد أَيضاً، وأَنه المحمود على جميع ذلك وعلى كل ما خلقه ويخلقه، لما له فيه من الحكم والغايات المحمودة المقصودة بالفعل". اهـ

ص140.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 08:21 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وأَما نفاة الحكمة والأَسباب من مثبتي القدر فهم في الحقيقة لا يثبتون له حمداً كما لا يثبتون له الحكمة فإن الحمد من لوازم الحكمة والحكمة إِنما تكون في حق من يفعل شيئاً لشيء فيريد بما يفعله الحكمة الناشئة من فعله فأما من لا يفعل شيئاً لشيء ألبتة فلا يتصور في حقه الحكمة. وهؤلاءِ يقولون: ليس في أَفعاله وأَحكامه لام التعليل، وما اقترن بالمفعولات من قوى وطبائع ومصالح فإِنما اقترنت بها اقتراناً عادياً، لا أَن هذا كان لأَجل هذا، ولا نشأَ السبب لأَجل المسبب، بل لا سبب عندهم ولا مسبب ألبتة، إِن هو إِلا محض المشيئة وصرف الإِرادة التي ترجح مثلاً على مثل، بل لا مرجح أَصلاً، وليس عندهم في الأَجسام وطبائع وقوى تكون أَسباباً لحركاتها، ولا في العين قوة امتازت بها على الرِّجل يبصر بها، ولا في القلب قوة يعقل بها امتاز بها على الظهر، بل خص سبحانه أَحد الجسمين بالرؤية والعقل والذوق

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير