تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من آثاره، فالمخلوق المكوَّن هو أثر الكلمة المكوِّنة، فليس ذات الكلمة إذ هي غير مخلوقة فهي من وصف الرب، جل وعلا، وهو مخلوق بها، ولا يكون غير المخلوق مخلوقا أو حالا في مخلوق، كما تقدم في مواضع سابقة، فإنه إن حل في مخلوق تغير وصفه فاكتسب من المخلوق عوارض التغير والفناء، وتصور ذلك في وصف الرب، جل وعلا، لازمه الحكم بفناء الذات المتصفة بهذه الكلمة، فإذا كان الفناء جائزا بل واجبا في حق الكلمة إن سلم جدلا بصحة حلولها أو اتحادها بمخلوق، فهو جائز في حق الذات القدسية المتصفة بهذه الكلمة، وتصور ذلك من الفساد بمكان، فالرب، جل وعلا، الأول الآخر السلام من كل عيب القدوس من كل نقص.

فالجبرية أو من سار على طريقتهم في نفي العلل والأسباب برد الأمر إلى القدرة فقط، ولازم قولهم وصف الرب، جل وعلا، بالظلم لعباده، هؤلاء لم يثبتوا له كمال الحمد فمعناه في وصف الجمال وهو الحكمة التي نفوها أظهر، والقدرية النفاة لم يثبتوا له، جل وعلا، كمال الملك فمعناه في الفعل الرباني وهو مئنة من جلاله تبارك وتعالى بإنفاذ قدره كما شاء فتلك قدرته، معناه في ذلك أظهر، وأهل السنة، كما تقدم، أثبتوا كلا الأمرين فهو جل وعلا: الحكيم جمالا القدير جلالا.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"ولهذا كان منكرو الأَسباب والقوى والطبائع يقولون: العقل نوع من العلوم الضرورية كما قال القاضيان أبو بكر بن الطيب، (وهو: القاضي الباقلاني رحمه الله)، وأبو يعلى بن الفراءِ وأَتباعهما. وقد نص أَحمد على أَنه غريزة، وكذلك الحارث المحاسبي وغيرهما، فأولئك لا يثبتون غريزة ولا قوة ولا طبيعة ولا سبباً، وأبطلوا مسميات هذه الأَسماءِ جملة وقالوا: إِن ما في الشريعة من المصالح والحكم لم يشرع الرب سبحانه ما شرع من الأَحكام لأَجلها بل اتفق اقترانها بها أَمراً اتفاقياً كما قالوا نظير ذلك في المخلوقات سواء، والعلل عندهم أَمارات محضة لمجرد الاقتران الاتفاقي". اهـ

ص140.

فأشار ابن القيم، رحمه الله، إلى خطأ من قال بأن العقل: نوع من العلوم الضرورية، فذلك مظنة نفي العلل والأسباب، كما تقدم من كلام أصحاب نظرية الكسب، والصحيح أن العقل غريزة، كما نص على ذلك أحمد والمحاسبي، رحمهما الله، فهو غريزة مركوزة في الإنسان بها يدرك الحكم التي نفاها منكرو التعليل، فجعلوا الأمر، كما تقدم، محض اقتران بين السبب ومسببه لا يظهر فيه أثر فاعل للسبب في إيجاد مسببه على وفق ما قدر الرب، جل وعلا، أزلا.

وقسمهم إلى قسمين بقوله:

"وهم فريقان:

أَحدهما: لا يعرجون على المناسبات ولا يثبتون العلل بها ألبتة، وإِنما يعتمدون على تأْثير العلة بنص أَو إِجماع، فإِن فقدوا فزعوا إِلى الأَقيسة الشبهية.

والفريق الثاني: أَصلحوا المذهب بعض الإِصلاح وقربوه بعض الشيء وأَزالوا تلك النفرة عنه، فأثبتوا الأَحكام بالعلل والعلل بالمناسبات والمصالح، ولم يمكنهم الكلام فى الفقه إلا بذلك، ولكم جعلوا اقتران أَحكام تلك العلل والمناسبات بها اقتراناً عادياً غير مقصود فى نفسه والعلل والمناسبات أَمارات ذلك الاقتران". اهـ

ص140، 141.

فالأولون لا يستعملون القياس إلا قياس الشبه وهو من أضعف الأقيسة كما تقرر في الأصول، وذلك مئنة من جفائهم في إثبات تأثير العلل في إيجاد معلولاتها فهو جار على ما تقدم من نفي التعليل في أفعال الرب، جل وعلا، احترازا مما ألزموا به أنفسهم من قياس فعل الرب، جل وعلا، على فعل العبد، فالعبد لا يفعل إلا لحاجة، فراموا تنزيهه، عز وجل، عن الحاجة، فنفوا الحكمة لظنهم أن فعل الرب، جل وعلا، من جنس فعل العبد، فذلك ناتج قياس التمثيل أو الشمول سواء في الصفات أو الأفعال، والصحيح أن لكل فعلا يليق بذاته كمالا في حق الرب، جل وعلا، ونقصانا في حق العبد، فقياس الكامل الغائب وهو فعل الرب، جل وعلا، الذي لا تدرك العقول كنهه وإن أدركت معناه على فعل العبد الناقص الشاهد: قياس مع الفارق، فهو فاسد الاعتبار من هذا الوجه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير