تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والآخرون: تلطفوا كما يقول ابن القيم، رحمه الله، فأثبتوا العلل والمصالح في الأحكام الفقهية ليستقيم لهم باب القياس، فلو نفوا العلل جملة وتفصيلا لبطل أصل القياس في حقهم، وقد اطرد في كلامهم في الأحكام العملية: استعمال القياس في تخريج الفروع على الأصول، بينما جعلوه في باب الإلهيات: في كلامهم عن أفعال الرب، جل وعلا، من قبيل الاقتران فالسبب يقارن المسبب ولا يؤثر في إيجاده، سواء أكان قدرة بشرية فهي عندهم اقترانية لا تؤثر في إيجاد المفعول، أم كان قوة طبيعية مؤثرة كامنة في سبب مخلوق، كما تقدم في مثال النار، فجعلوا الاقتران بينها وبين أثرها من الإحراق من قبيل العادة.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وهؤلاءِ يستدلون على إثبات علم الرب تعالى بما فى مخلوقاته من الإحكام والإِتقان والمصالح، وهذا تناقض بين منهم، فإِن ذلك إِنما يدل إِذا كان الفاعل يقصد أَن يفعل الفعل على وجه مخصوص لأَجل الحكمة المطلوبة منه، وأَما من لم يفعل لأَجل ذلك الإحكام والإِتقان وإِنما اتفق اقترانه بمفعولاته عادة فإِن ذلك الفعل لا يدل على العلم، ففى أَفعال الحيوانات من الإِحكام والإِتقان والحكم ما هو معروف لمن تأمله، ولكن لما لم تكن تلك الحكم والمصالح مقصودة لها لم تدل على علمها. والمقصود أَن هؤلاءِ إِذا قالوا: إِنه تعالى لا يفعل لحكمة امتنع عندهم أَن يكون الإِحكام دليلاً على العلم وأَيضاً فعلى قولهم يمتنع أَن يحمد على ما فعله لأَمر ما حصل للعباد من نفع، فهو سبحانه لم يقصد بما خلقه نفعهم ولا خلقه لنفعهم ومصالحهم، بل إنما أَراد مجرد وجوده لا لأَجل كذا ولا لنفع أَحد ولا لضره، فكيف يتصور فى حق من يكون فعله ذلك حمد؟! ". اهـ

ص141.

فأشار ابن القيم، رحمه الله، إلى وجه تناقض في قولهم فإنهم يثبتون العلم بما اصطلح على تسميته بـ: دليل الإتقان، فهو مئنة من علم الرب، جل وعلا، إذ علم مقادير الخلق، فأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، ولا يكون ذلك بداهة، بلا حكمة مؤثرة في إيقاع المقدور على نحو متقن، فيأتي كما قدر الرب جل وعلا بلا زيادة أو نقصان، فإثبات العلم ونفي الحكمة في آن واحد: تناقض بين متماثلين، بالتفريق بين متماثلين من جهة ورود النص بإثباتهما معا فالاقتصار على إثبات أحدهما دون الآخر: تفريق بين متماثلين، وهو تناقض من وجه آخر إذ هو: تفريق بين متلازمين، فإنه لا يتصور علم بلا حكمة، ولا حكمة بلا علم يسبقها، فمن علم أزلا على جهة الإحاطة، فإنه يجري قدره الكوني على وجه تظهر به آثار علمه فيأتي خلقه على أكمل الوجوه، ولا يكون ذلك الإتقان بداهة إلا بحكمة بالغة، فتظهر بهذا الخلق آثار أوصاف الرب جل وعلا: جلالا بالقدرة على الخلق وجمالا بالعلم والحكمة التي بهما يكون المخلوق على أكمل وجوه الإتقان والإحكام، فلا بد من إثبات الأمرين معا، كما تقدم مرارا، ليسلم العبد من التناقض في هذا الباب الجليل.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 03 - 2010, 08:02 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فلا يحمد على فعل عدل، ولا على ترك ظلم، لأَن الظلم - عندهم - والممتنع الذي لا يدخل فى المقدور، وذلك لا يمدح أَحد على تركه وكل ما أَمكن وجوده فهو عندهم عدل فالظلم مستحيل عندهم إِذ هو عبارة عن الممتنع المستحيل لذاته الذي لا يدخل تحت المقدور ولا يتصور فيه ترك اختياري فلا يتعلق به حمد، وإخباره تعالى عن نفسه بقيامه بالقسط حقيقة عندهم مجرد كونه فاعلاً لا أَن هناك شيئاً هو قسط في نفسه يمكن وجود ضده". اهـ

ص141.

فذلك جار على تعريف المتكلمين للظلم بأنه: الممتنع لذاته، والممتنع لذاته ليس بشيء، أصلا، لتتعلق به الإرادة فعلا أو تركا، بل هو عدم محض، والقدرة إنما تتعلق بالممكنات لا بالممتنعات فهي، كما تقدم، معدومات لا وجود لها إلا في الأذهان على سبيل الفرض فلا يتصورها عقل، بل يقترحها برسم الفرضية العقلية، فلا يمتنع فيها فرض المحال، فيتعلق بها العلم، باعتبار العلم بلازمها لو قدر، فرضا، وقوعها، كما في قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)، مع أن ذلك محال لذاته، فتعلق به العلم باعتبار اللازم لو وجد كيف ستكون حال الكون، فإذا كان الظلم عدما لا تتعلق به

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير