تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلم يحدثوا مقالة، ويعقدوا ألوية الولاء والبراء لها، بل ألويتهم معقودة بالحب لمن وافق السنة، والبغض لمن خالفها، فهي مستندهم في الشرعيات: أخبارا وأحكاما، فإليها يفزعون وعنها يصدرون، فلا ينطقون في أمر الديانة إلا بما نطق به الوحي المعصوم، ولا يستدلون إلا على منهاج النبوة، فعقولهم تبع للوحي، منه تستمد أسباب الزكاء، وبالنظر في نصوصه تستنبط الأحكام.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في فقرة جامعة لهذا المعنى الجليل:

"فَعَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ إلَّا تَبَعًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَلَا يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ بَلْ يَنْظُرُ مَا قَالَ فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَبَعًا لِقَوْلِهِ وَعَمَلُهُ تَبَعًا لِأَمْرِهِ فَهَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُعَارِضُ النُّصُوصَ بِمَعْقُولِهِ وَلَا يُؤَسِّسُ دِينًا غَيْرَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَإِذَا أَرَادَ مَعْرِفَةَ شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ وَالْكَلَامِ فِيهِ نَظَرَ فِيمَا قَالَهُ اللَّهُ وَالرَّسُولُ فَمِنْهُ يَتَعَلَّمُ وَبِهِ يَتَكَلَّمُ وَفِيهِ يَنْظُرُ وَيَتَفَكَّرُ وَبِهِ يَسْتَدِلُّ فَهَذَا أَصْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَهْلُ الْبِدَعِ لَا يَجْعَلُونَ اعْتِمَادَهُمْ فِي الْبَاطِنِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى مَا تَلَقَّوْهُ عَنْ الرَّسُولِ؛ بَلْ عَلَى مَا رَأَوْهُ أَوْ ذَاقُوهُ ثُمَّ إنْ وَجَدُوا السُّنَّةَ تُوَافِقُهُ وَإِلَّا لَمْ يُبَالُوا بِذَلِكَ فَإِذَا وَجَدُوهَا تُخَالِفُهُ أَعْرَضُوا عَنْهَا تَفْوِيضًا أَوْ حَرَّفُوهَا تَأْوِيلًا. فَهَذَا هُوَ الْفُرْقَانُ بَيْنَ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالسُّنَّةِ وَأَهْلِ النِّفَاقِ وَالْبِدْعَةِ وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ لَهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ لَكِنَّ فِيهِمْ مِنْ النِّفَاقِ وَالْبِدْعَةِ بِحَسَبِ مَا تَقَدَّمُوا فِيهِ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَخَالَفُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ثُمَّ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ يُخَالِفُ الرَّسُولَ وَلَوْ عَلِمُوا لَمَا قَالُوهُ لَمْ يَكُونُوا مُنَافِقِينَ بَلْ نَاقِصِي الْإِيمَانِ مُبْتَدِعِينَ وَخَطَؤُهُمْ مَغْفُورٌ لَهُمْ لَا يُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَقَصُوا بِهِ". اهـ

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 03 - 2010, 08:29 ص]ـ

ثم انتقل ابن القيم، رحمه الله، إلى بيان شمول حمد الرب، جل وعلا، فقال:

"والمقصود بيان شمول حمده تعالى وحكمته لكل ما يحدثه من إحسان ونعمة وامتحان وبلية، وما يقضيه من طاعة ومعصية، أنه سبحانه محمود على ذلك مشكور حمد المدح وحمد الشكر، أَما حمد المدح فإنه محمود على كل ما خلق إِذ هو رب العالمين والحمد لله رب العالمين وأَما حمد الشكر فلأن ذلك كله نعمة في حق المؤمن إِذا اقترن بواجبه من الإحسان، والنعمة إِذا اقترنت بالشكر صارت نعمة والامتحان والبلية إذا اقترنا بالصبر كانا نعمي، والطاعة من أَجلّ نعمه". اهـ

ص142.

فقسم ابن القيم، رحمه الله، الحمد إلى قسمين:

حمده، عز وجل، لذاته القدسية وصفاته العلية، فهو، تبارك وتعالى، كما تقدم في أكثر من موضع، المحمود لذاته، وإن لم يصلنا من أثر صفات جماله شيء، فإن النفوس لا تلتفت غالبا إلا إلى حظها، فيكون الثناء على الرب، جل وعلا، بما أنعم به وأولى، وذلك ضرب من الثناء عليه عظيم، فشكره على نعمه الجليلة، من أعظم صور العبادة، فشكره لا يستوفي نعمه، فمهما شكر العبد فإنه لن يوفي شكر نعمة واحدة من نعمه، عز وجل، بخلاف شكره، فإنه الشكور، على حد المبالغة، فيشكر قليل العبد بتكثيره وتثميره، فيقابل إحسان العبد على ضآلته بإحسان عظيم يضاعف فيه لمن شاء ما شاء من الحسنات، فـ: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، فذلك، كما تقدم، ضرب من ضروب الثناء عليه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير