تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يكافئ دعاء المسألة فهو لازمها، فإن العبد يسأل افتقارا، والرب يعطي تفضلا وامتنانا، فيشكره العبد بقلبه ولسانه وجوارحه، إن كان من أهل الديانة، ولكنه ليس الضرب الوحيد، بل أعظم منه لو تأمل العبد، لا سيما إن نظر في معاني أسماء وأوصاف الرب، جل وعلا، أعظم منه دعاء الثناء عليه لذاته، عز وجل، فهو المحمود لذاته لكمال أسمائه وأوصافه وأفعاله، فله كمال الذات والصفات والأفعال أزلا وأبدا، فأوليته، كما تقدم مرارا، أولية كمال مطلق من كل وجه فهو الأول بكمال الذات، الأول بكمال الصفات، الأول بكمال الأفعال، فله الحمد لذاته، وإن لم يصل عباده شيء من آثار أوصافه، مع أن ذلك، لو تأمل الناظر، فرض عقلي محال فإن من لوازم أوصاف جماله، ظهور آثارها في عباده، فيصلهم من الرزق ما هو أثر اسمه الرزاق، فهو دال على صفة الرزق، بفتح الراء، كما نبه إلى ذلك بعض أهل العلم في معرض التفريق بين الفعل الرباني وأثره من المفعول المخلوق في عالم الشهادة، فهو دال عليها تضمنا، فالاسم والوصف غير مخلوقين، وهو دال مع ذلك على الرزق، بكسر الراء، وهو المفعول المرزوق، فالمفعول أثر الفعل الذي وجد به، فيدل عليه تضمنا، كما أشار إلى ذلك ابن القيم، رحمه الله، في "شفاء العليل"، ص249، فوجود الوصف الرباني دون وجود أثره الدال عليه تضمنا، كما تقدم، أمر محال عقلا، فهو ينافي دلالة العقل الضرورية، فالعقل يدرك ضرورة وجوب وجود الأثر بوجود المؤثِّر، فوصف الكمال عنه تصدر كلمات الرب، جل وعلا، الكونية التي بها يظهر أثره في عالم الشهادة فهي السبب أو العلة المتعلقة بمشيئته، عز وجل، إيجاد أثر وصفه في خلقه، فيشاء رزقا لمرزوق فيسوقه إليه بأمره الكوني، بتيسير أسبابه، فيصل إلى المرزوق كما قد سطر في اللوح المحفوظ، بلا زيادة أو نقصان، فلا راد لكلماته الكونيات النافذات، وذلك أمر مطرد في كل وصف رباني: جمالا كان بالنعمة، أو جلالا بالنقمة، فأثر الصفة لا يظهر في الخلق إلا إذا شاء الرب، جل وعلا، ذلك، فأمر بمشيئته ظهور ذلك، فإن شاء أعز، وإن شاء أذل، وإن شاء أعطى، وإن شاء نزع، فـ: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، فله في كل يوم شأن في عباده بالرزق والمنع، والخفض والرفع ...... إلخ، فـ: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ). وبالإضافة إلى ذلك يقال، أيضا، بأن افتراض صفة ربانية لا أثر لها في الكون يظهر به كمال وصف الرب، جل وعلا، مما ينافي حكمة الرب، جل وعلا، فالحكمة تقتضي وقوع المسبَّب إذا وجد سببه، فإذا وجد سبب انتظام أمر هذا الكون، وهو صفات الرب، جل وعلا، الفاعلة، التي رد المحققون علة صدور هذا الكون إليها، إذا وجد هذا السبب الذي نشأ العالم وانتظم شأنه بالأمر الكوني المظهر له، إذا وجد: وجد المسبب لزوما وهو ما يقع في هذا الكون من الأحداث الكونية على هذا النحو الدقيق الذي يوافق العلم الأول والكتابة الكونية النافذة، فلا زيادة ولا نقصان، فكل ذلك مما يجعل وجود الوصف الرباني بلا أثر له في عالم الشهادة: فرضا عقليا محضا، فإذا ثبت له، عز وجل، كمال الحمد لذاته، وإن لم يصلنا من أثره شيء، فكيف ونحن في آثار أوصاف كماله نتقلب، فمن نعمة هي أثر وصف جماله، أو نقمة هي أثر وصف جلاله، جزاء وفاقا لما كسبت أيدينا، أو محنة تستنبط بها منحة غفران الذنب، فيظهر أثر وصف المغفرة التي دل عليها اسمه: "الغفور"، وأثر وصف الفرح، على الوجه اللائق بجلال الرب، جل وعلا، فليس فرحه من جنس فرحنا الذي يصاحبه الذهول وعدم العلم بالأمر المفرح قبل وقوعه ...... إلخ من اللوازم المصاحبة للصفة البشرية والتي تنزه عنها رب البرية جل وعلا بداهة، وأثر وصف الرحمة التي أعقبت المغفرة في الذكر، في مواضع من التنزيل كقوله تعالى: (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، على حد القصر بتعريف الجزأين، وهو قصر إضافي من جهة جواز اتصاف المخلوق بهما، وقصر حقيقي باعتبار انفراد الرب، جل وعلا،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير