تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 03 - 2010, 08:19 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"ولا يبقى إِلا أَن يقال: فما الحكمة فى خلق هذه الأرواح التى هى غير قابلة لنعمته؟. قد تقدم من الجواب عن ذلك ما فيه كفاية. وأَن خلق الأضداد والمقابلات وترتيب آثارها عليها موجب ربوبيته وحكمته وعلمه وعزته، وأَن تقدير عدم ذلك هضم من جانب الربوبية". اهـ

ص143.

وتلك حكمة خلق الأضداد، فبها يظهر عموم وصف الربوبية، فالرب، كما تقدم في أكثر من موضع، هو خالق الشيء وضده، وبها يظهر وصف الحكمة بوقوع التغاير في الأحكام تبعا للتغاير في الأعيان والأفعال فـ: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ)، فالتسوية بينهما مع افتراقهما في الذات أو الوصف: تسوية بين مختلفين تناقض قياس العقل الصريح الذي جاء التنزيل بمعاضدته لا بمناقضته بتصور المحالات وإلزام العقول بالتسليم بها، وإن كانت على خلاف المعقول الصريح والحس السليم، كما يظهر ذلك جليا، في المقالات الحادثة في الملل أو النحل الباطلة، فاقتضت حكمته، جل وعلا، خلق الشيء وضده، واقتضت حكمته تخصيص كلٍ بحكم، فتعلق المدح بالمأمور، وتعلق الذم بالمحظور، فذلك ناموس الشرع الذي أقيم عليه الكون، فالشريعة قد باينت بين المتفرقات بإعطاء كل حكمه، كما تقدم، وساوت بين المتماثلات، فلا ينتظم أمر العالم إلا بها، بل لا يصح قياس عقل إلا بإجرائها.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وأَيضاً فإن هذه الحوادث نعمة فى حق المؤمن ...... فهو مأمور أن يكرها بقلبه ويده ولسانه فقط أَو بقلبه فقط، ومأمور أَن يجاهد أَربابها بحسب الإِمكان، فيترتب له على الإنكار والجهاد من مصالح قلبه ونفسه وبدنه ومصالح دنياه، وآخرته ما لم يكن ينال بدون ذلك". اهـ

ص143، 144.

فلولا العدو، ما قامت سوق الجهاد، ولولا حزب أعداء الرسالات، ما امتاز حزبها، فعرف الولي من العدو، فتسليط أهل البغي على أهل العدل، كما هو مشاهد في زماننا، لا سيما في بيت المقدس، ميدان الصراع المحتدم بين أتباع الرسالة الخاتمة وشذاذ الآفاق المنتسبين إلى الشريعة الموسوية زورا وبهتانا، هذا التسليط مما يقع به من التمحيص والتمييز بين المؤمن والمنافق، فيستوي الصف ويجود بإسقاط التالف، ومن ثم تظهر آثار سنة المدافعة الكونية، لزوما، فيلتقي الصفان، ويظهر بهذا اللقاء صور من آثار حكمة الرب، جل وعلا، في تدبير أمر الفريقين، وآثار قدرته بنصر حزب الإيمان إن أخلص ونصح وبذل السبب وإلا استبدل كما استبدلت أجيال سابقة وهذا الجيل مرشح بقوة لجريان سنة الاستبدال عليه كما جرت على سابقيه!، ويقع من صور العبوديات الباطنة والظاهرة ما يحبه الرب، جل وعلا، ويرضاه لعباده، فذلك من تمام عنايته بهم أن يسر لهم أسباب مرضاته، ليظهر بهم دينه على الدين كله ولو كره الكافرون، فأعظم بها من وظيفة، وأكرم به من استعمال، أن يستعمل العبد في مراضي الرب، جل وعلا، فيكون حارسا على بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، كالحرس المرابط في بيت المقدس، ويكون ناصرا بما استطاع لحرم الله وقدسه، ودينه وشرعه، ولو بغضبة حر تأبى أن تنتهك محارم الرب، جل وعلا، وإن لم يقدر على دفع ذلك أو رفعه، فتلك العبوديات العظيمة تفوق مفسدة تسلط شرذمة حقيرة على البيت المقدس، فلولا تسلطها ما نفر الجند المرابط في البيت، ولولا بغيها ما استيقظت ضمائر قد نامت، واستنفرت نفوس قد خملت، وعقدت همم قد حلت، ولا نصر إلا بالسير على طريق النبوة، فبها صلاح الأولى بالنجاة من كيد الكافرين، وصلاح الآخرة بالنجاة من عذاب رب العالمين.

والمتأمل لهذه الحكم العظيمة يزول ما في نفسه من تعجب: لماذا اختارت تلك الشرذمة الأرض المقدسة دون غيرها لإقامة وطن يجمع أشتاتهم، فلم يقيموا ملكا برسم نبوة، أو حتى دين محرف، وإنما رداء اليهودية التي يستترون به، وديانة الكليم عليه السلام منها براء، إنما ذلك الرداء هو الرباط السياسي الجامع لأولئك الضائعين الذين وفدوا من كل صوب وحدب لَفَظَهُم لعظم إفسادهم في كل أرض نزلوها، فهم، كما تقدم مرارا، أحقر البرية، والحقير لا يهدأ له بال حتى يرى من فوقه، وقد صار بإفساده دونه، فذلك مئنة من نفسية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير