تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الخلق وأبغضهم إليه، تبارك وتعالى، وهل كان إظهار مادة النفاق في القلوب التي استعلن أصحابها بنفاقهم في هذه الأعصار بلسان الحال بل والمقال أحيانا، هل كان سيقع لولا النوازل التي تظهر المعادن؟!، وقد كشفت نوازل عظام من قبيل: نازلة العراق وعزة وبيت المقدس كثيرا من الزيف، فظهرت حقائق كثير من أبطال الورق وصناع الاستسلام برسم التنمية والرخاء!. فضلا عما يصاحب تلك النوازل من صور العودة الفردية إلى دين رب البرية، جل وعلا، وهي عودات، فيها من الخير ما فيها، وإن كانت لا تكفي لحصول الظهور العام للدين، فلا يكون ذلك إلا بعودة الجماعة المسلمة حكاما ومحكومين عودة عامة يقع قبلها من صور الابتلاء والتمحيص ما يقع، فتلك سنة الرب، جل وعلا، ولا تبديل لسنته الكونية، فلن يستيقظ المسلمون غدا ليروا الدين قد ظهر وهم قاعدون بل نائمون!، فكما استغرق هدمه في النفوس أجيالا فكذلك بناؤه فيها يتطلب، أيضا، أجيالا.

والنصر مع الصبر، فتلك سنة كونية مطردة.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فلولا تسليط الشهوة والغضب ودواعيهما على العبد لم تحصل له فضيلة الصبر وجهاد النفس ومنعها من حظوظها وشهواتها محبة لله وإِيثاراً لمرضاته وطلباً للزلفى لديه والقرب منه". اهـ

ص144.

فقد عرض ابن القيم، رحمه الله، لصور أخرى من صور الجهاد الذي لا يكون إلا بوجود الضد المذموم للخَلق أو الخُلق المحمود، فإن الجهاد يكون للخَلق بسيف الشريعة، ويكون للخُلق بسيف التقويم للأخلاق الردية، وذلك من مراتب الجهاد، فليس كل الجهاد: جهاد النفس، كما زعم من غلا في باب المجاهدة، واستدل لذلك بأثر موقوف على تابعي، فليس من المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفيه من الصحة شيء كثير، فجهاد النفس قد يكون أحيانا أشق من جهاد العدو، بل لا يكون جهاد للعدو إلا بعد المرور بمراحل من جهاد النفس بحملها على الطاعة حملا، وذلك ما تنفر منه، فقد جبلت على ضده من حب الشهوات وإيثار الراحة العاجلة ولو كان فيها الهلاك الآجل، فذلك من فساد التصور للعواقب، والشاهد أن أصحاب هذا الاتجاه قد غلوا في مرتبة المجاهدة الباطنة بتقويم السلوك والأخلاق، حتى أحدثوا لذلك طرقا ورسوما لم تأت بها النبوات من غلو في الزهد خرج عن حد الاعتدال إلى حد التنطع الذي ذمته الشرائع السماوية، لا سيما الشريعة السمحة الحنيفية التي بعث بها خير البرية صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومقابل هذا الغلو في مرتبة الجهاد الباطن وقع الجفاء في مرتبة: الجهاد للعدو الظاهر، فاعتزل كثير منهم برسم التربية بالتخلية ثم التحلية، مع غلو ظاهر في تلك المعاني الصحيحة، وقعدوا عن مجاهدة العدو الذي استباح محلة المسلمين، بل قد صاروا، كما تقدم، شوكة في جنب من حمل السلاح امتثالا لواجب الوقت من مدافعة العدو، فذلك عين الفقه، فلكل مقام مقال، ولكل حال ما يلائمه، فلجهاد النفس محله، ولجهاد الغير محله، فصاروا شوكة في جنبه بتخذيل الناس عنه والتنفير منه، بل وخيانته في أحايين كثيرة بالتواطؤ مع العدو الذي مكن لذلك الفكر المخذل المخدر، كما يحصل الآن من محاولة الغرب إحياء هذا الفكر مرة أخرى، بعد أن اندثر في الأعصار المتأخرة التي استنارت فيها العقول، ولو بعلوم الدنيا، فإن إعمال قياس العقل الصحيح يقتضي لزوما النفور من تلك الطرائق الزهدية التي لا تحفظ دينا ولا تقيم دنيا، وإن كان بعضهم قد خاض مع المحتل معارك كبيرة كبده فيها من الخسائر العظيمة ما كبد، ولكن الغالب عليهم الخذلان والتخذيل، وهم، كما تقدم، ليسوا الشوكة الوحيدة في جنب أهل الحق، ففي زمن الفتن واندثار العلم لا سيما مع توالي النوازل الكونية، كما في زماننا، يختلط الحق بالباطل فيصعب تحريره على جهة الكمال، والمسدد من سدده الباري، عز وجل، وسؤال الله، عز وجل، البصيرة بالحق والثبات عليه والنجاة من فتنة المنفرين عنه والمخذلين عن نصرته أصل جليل في مثل هذه المواضع.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 04 - 2010, 09:27 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير