تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"والمقصود أن تنويع المخلوقات واختلافها من لوازم الحكمة والربوبية والملك، وهو أيضاً من موجبات الحمد فله الحمد على ذلك كله أَكمل حمد وأَتمه أَيضاً، فإِن مخلوقاته هى موجبَات أَسمائه وصفاته، فلكل اسم وصفة أَثر لا بد من ظهوره فيه واقتضائه له، فيمتنع تعطيل آثار أَسمائه وصفاته كما يمتنع تعطيل ذاته عنها، وهذه الآثار لها متعلقات ولوازم يمتنع أَن لا توجد كما تقدم التنبيه عليه". اهـ

ص146.

فبتنوع المخلوقات: تظهر آثار صفات الرب، جل وعلا، جمالا وجلالا، فصفات الجمال تدل عليها الرحمات والعطايا، وصفات الجلال يدل عليها العذاب النازل وصور الحرمان من العطايا عقوبة على مخالفة مراده الشرعي، فأخذه شديد، سواء أكان أخذ الاستئصال كما في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)، أو أخذ العذاب: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)، فمادة الأخذ: مادة جلال، فلا تكون آثارها في الكون إلا عقوبات ونقما، فالأثر دال على المؤثر، فالرب، جل وعلا، فاعل بصفاته بإرادة اختيارية، فلا مكره له، ولا موجب يوجب عليه فعلا، بل هو الذي يوجب على نفسه ما شاء، ويوجب على خلقه ما شاء من أحكامه الكونية فلا راد لها، وأحكامه الشرعية، فلا يسع أحدا الخروج عنها، فيؤثر الرب، جل وعلا، بوصفه، فيظهر أثر الوصف بكلمات كونية يكون بها العطاء أو المنع، الإحياء أو الإماتة، الإنجاء أو الإهلاك ..... إلخ من الأضداد التي تدل على عموم ربوبيته، فالحوادث الكونية هي أثر الصفات الربانية، فظهور أثر الصفة هو الصحيح في هذه المسألة، فالصفات الربانية الفاعلة هي علة صدور هذا الكون، فبفعل الإحياء تكون الحياة، وبفعل الإماتة يكون الموت ...... إلخ، بخلاف من خلط بين الرب والعبد فجعل الظهور هو ظهور ذات الرب، جل وعلا، بصفاته، في خلقه، ففرعون ظهور الرب، جل وعلا، بصفات الجلال!، والمسيح عليه السلام ظهور بصفات الجمال ...... إلخ، وذلك فرقان بين دين الإسلام وبقية الأديان، فإن سائر الأديان لم تسلم من لوثة التشبيه، بتشبيه الرب، جل وعلا، بالخلق، بل حلوله فيهم واتحاده بذواتهم، فعطلوا الرب، جل وعلا، عن وصف كماله الذي انفرد به، فليس كمثله شيء، ولم تسلم من لوثة التعطيل لزوما، فإن تعطيل الرب، جل وعلا، عن صفات كماله غلوا في التنزيه إنما هو لازم التشبيه ابتداء بجعل أوصافه العلية من جنس أوصاف سائر البرية، فيمعن النافي في نفيه حتى يسلب الرب، جل وعلا، وصف كماله، وهو عين ما وقع فيه المشبه، فكلاهما مشبه معطل في نفس الوقت، وما ذلك إلا سوء ظن بالرب، جل وعلا، وضعف إيمان بالغيب، من جنس طريقة يهود في تقديس المحسوس المشاهد، فقد عبدوا العجل لما رأوا غيرهم يعبده فلم تطق نفوسهم الكثيفة، وفطرهم البليدة، عبادة رب لا يرونه بأبصارهم في عالم الشهادة فقالوا للكليم عليه السلام: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً)، فكذلك كل من جاء بعدهم من أصحاب الملل والنحل المحرفة، فالنصارى مع عظم عدائهم لليهود، أو هكذا يفترض!، جسدوا الرب، جل وعلا، أو وصفا من أوصافه بما أحدثوه من مقالة الأقنوم الذي تجسدت فيه الكلمة الكونية والصحيح أن الناسوت كان بها، فخلق بالكلمة التكوينية، لا أنها عين الناسوت المخلوق، فجسدوا الرب، جل وعلا، أو وصفا من صفاته في ذات المسيح عليه السلام، فتلك مادية يهودية ظاهرة، مع ادعائهم الروحانية التي تكذبها طرائقهم لا سيما في الأعصار المتأخرة وقد غلبت عليهم المادية بعد انتصار العلمانية على دين الكنيسة، فما كان لها أن تنتصر إلا وقد تهيأت العقول لقبولها، فغلبت عليهم المادية حتى فاقوا يهود في بعض صورها، وذلك مئنة من الأثر اليهودي الظاهر في دين النصرانية، فما التثليث إلا بدعة بولسية أدخلها شاؤول المتنصر زورا ليفسد دين المسيح عليه السلام، فحملوها عنه، وقد ظهر أثر هذه البدعة في سلوكهم، فمن جسد الإله في ناسوت بشري، فلم يقدر على الإيمان برب جليل يباين الخلق فليس فيه شيء منهم وليس فيهم شيء منه فقد تنزه عن أوصاف النقص التي طبعوا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير