تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وصف الخير والنفع، ويدور حكم الذم مع وصف الشر والضر.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 04 - 2010, 07:59 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وأَيضاً فإِن الله سبحانه نوَّع الأَدلة الدالة عليه والتى تعرّف عباده به غاية التنوع، وصرّف الآيات وضرب الأَمثال، ليقيم عليهم حجته البالغة ويتم عليهم بذلك نعمته السابغة، ولا يكون لأحد بعد ذلك حجة عليه سبحانه، بل الحجة كلها له والنعم كلها له والقدرة كلها له فأَقام عليهم حجته، ولو شاءَ لسوَّى بينهم فى الهداية كما قال تعالى: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149]: فأَخبر أَن له الحجة البالغة، وهي التي بلغت إِلى صميم القلب وخالطت العقل واتحدت به فلا يمكن العقل دفعها ولا جحدها". اهـ

ص146.

فتنوعت أدلة الرب، جل وعلا، الكونية والشرعية، الخبرية والعقلية، على وحدانيته، عز وجل، فهو المنفرد بأوصاف الكمال: جلالا وجمالا، المنفرد بالأفعال الكونية النافذة، فمرد التأثير في هذا العالم إيجادا وإعداما، إلى كلماته الكونيات النافذة، فله كمال الوصف الذاتي والفعلي، فتوحيد أسمائه وصفاته، وتوحيد ربوبيته: قد ثبتا بالدليل النقلي الصحيح والعقلي الصريح، فثبت لزوما توحيده ألوهية بأفعال عباده، فضربت الأمثال، وتنوعت الدلائل الخبرية والعقلية والفطرية والحسية على كمال انفراده بمنصب الربوبية، ووجوب إفراده بمنصب الألوهية، وبذلك بعث الرسل، عليهم السلام، فالرسالات قد تضمنت الهدى الخبري والبينات العقلية، فدلائل الخبر والعقل قد تعاضدت، وأيدتها من الخارج أدلة الحس بالنظر في الآيات الكونيات الباهرة: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)، فرؤية الآيات الكونية ذريعة إلى تبين الحق والرشد، فذلك جار على ما اطرد من التلازم الوثيق بين نوعي التوحيد: الخبري والعملي، فحصل ببيان النبوات: قيام الحجة البالغة على النوع الإنساني، فالرسل عليهم السلام قد بعثوا: (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل)، فبشروا بخبر الوعد ترغيبا في امتثال المأمور ونفروا بخبر الوعيد ترهيبا من ارتكاب المحظور، فاستوفت الرسالات شطري: العلم ولازمه من الانقياد بالطاعة، فذلك العمل الذي لا ينفك عن العلم، فهو الصورة الظاهرة لما قام بالقلب من التصورات الباطنة، فتخلفه مئنة من فساد التصور جزما، فمن المحال بمقتضى ما جبل عليه النوع الإنساني من الحركة الباطنة في المعقولات والحركة الظاهرة في المحسوسات، أن يوجد تصور علمي صحيح، يولد في القلب إرادات صحيحة، مع صحة في آلات الفعل، فأطراف الصحة الباطنة والظاهرة قد اجتمعت، ومع ذلك يتخلف العمل المصدق لذلك العلم الجازم فهو ترجمانه ولسان الصدق الشاهد له، فعلى أي شيء تشهد الجند إن لم تشهد لما يريده الملك فهي تحت رايته تقاتل وعن ملكه تنافح سواء أكان ملكا قد أسس بنيانه على التقوى أم ملكا قد أسس بنيانه على شفا جرف هار، فالنبوات هي التي قامت بها الحجة على البشر، ولذلك توجهت إليها سهام القدح من الملاحدة الذين يحطون من شأنها فقد صيروها من جنس السياسات الملوكية التي يحدثها المتملكة والمتأمرة لسياسة الخلق، فينتحل صاحبها النبوة ليسبل على ملكه إزار القداسة والعصمة والتأييد بالوحي، فيستر بذلك حقيقة أمره، فهو ملك كسائر ملوك الأرض يريد تعبيد الناس له وإن زعم تعبيدهم للرب، جل وعلا، وإخضاعهم لناموسه الذي زعم له القداسة والعصمة لمكان النبوة، وإن زعم أنه ناموس إلهي نازل، فليس في حقيقته إلا ناموسا أرضيا من عقل صاحبه قد صدر ليسوس البشر به سياسة أصحاب الكهنوت لأتباعهم، فقياسه قد بلغ الغاية من الفساد إذ جعل النبوة الهادية من جنس الكهنوت، معدن الضلال بالتقليد الأعمى لبشر قد صيروا أنفسهم أربابا من دون الله، عز وجل، فيحلون ما شاءوا ويحرمون ما شاءوا، فقد نازعوا الرب، جل وعلا، منصب ربوبيته، فادعوا لأنفسهم من التدبير الشرعي: بالتحليل والتحريم ما لا يكون لغير الرب، جل وعلا، فهو من أخص أوصافه، والواقع يكذب هذه الدعوى الجائرة فـ: (مَا كَانَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير