تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فتلك الأمور لا تحصل مع كون البشر على طريقة واحدة، فالتنوع مظنة التباين في الأخلاق والمسالك فيقع التدافع بينها لزوما، فتظهر الآيات الدالة على ربوبيته، عز وجل، لكونه: جمالا وجلالا، فيرضى عن المؤمنين وينصرهم ويسخط على الكافرين ويخذلهم، فتتنوع الأحكام تبعا لتنوع الأوصاف فلكل وصف ما يلائمه من الأحكام، فذلك مقتضى الحكمة الربانية التي توافق صريح الأقيسة العقلية.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وأَيضاً فإِن حقيقة الملك إِنما تتم بالعطاءِ والمنع والإِكرام والإِهانة والإِثابة والعقوبة والغضب والرضا والتولية والعزل وإِعزاز من يليق به العز وإِذلال من يليق به الذل، قال تعالى: {قُلِ اللّهُمّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمّنْ تَشَآءُ وَتُعِزّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنّكَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللّيْلَ فِي الْنّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي الْلّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 26 - 27]، وقال تعالى: {يَسْأَلُهُ مَن فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} ". اهـ

ص147.

فالملك لا يكون إلا بالتصرف التام في الكون، فالملك، بكسر الميم، قد يكون لمن لا تصرف له، وذلك أمر منتف في حق الرب، جل وعلا، بداهة، فهو المالك الملك، المليك الجامع للوصفين فالزيادة في مبنى الاسم مئنة من الزيادة في المعنى بالجمع بين الوصفين، فله مِلك العين فهو خالقها، وله المُلك فهو مدبر أمرها بكلماته الكونية التي تعمل بها الجند الملائكية فلا تصدر إلا عنها، فلا استقلال لها بتأثير في أحداث الكون بعطاء أو منع، بل ذلك للرب، جل وعلا، على جهة الانفراد بالمشيئة العامة فكل مشيئة لها تبع، فله في كل يوم شأن.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"يغفر ذنباً ويفرّج كَرْباً ويكشف غما، وينصر مظلوماً ويأْخذ ظالماً ويفك عانياً ويغني فقيراً ويجبر كسيراً ويشفي مريضاً ويقيل عثرة ويستر عورة ويعز ذليلاً ويذل عزيزاً ويعطى سائلاً ويذهب بدولة ويأْتي بأُخرى ويداول الأَيام بين الناس ويرفع أَقواماً ويضع آخرين يسوق المقادير التي قدرها قبل خلق السموات والأَرض بخمسين أَلف عام إلى مواقيتها فلا يتقدم شيء منها عن وقته ولا يتأَخر، بل كل منها قد أَحصاه كما أَحصاه كتابه وجرى به قلمه ونفذ فيه حكمه وسبق به علمه، فهو المتصرف في الممالك كلها وحده تصرف ملك قادر قاهر عادل رحيم تام الملك لا ينازعه فى ملكه منازع ولا يعارضه فيه معارض، فتصرفه فى المملكة دائر بين العدل والإِحسان والحكمة والمصلحة والرحمة فلا يخرج تصرفه عن ذلك". اهـ

ص147.

فيتصرف في كونه بصفات جلاله وجماله، فما نراه من انتظام أمر هذا العالم مع تدافع الخلق ووقوع الشر بالقضاء الكوني النافذ، ففيه مفسدة عارضة تعقبها مصالح عظيمة، تظهر بها آثار صفات الحكمة والعلم المحيط، ما نراه من هذا السنن العجيب والتدبير العام لكل حركة في الكون فلا يخرج عن مشيئته شيء في الأرض ولا في السماء، إنما هو مئنة من وجود الخالق بالقدرة المدبر بالحكمة، جل وعلا، فهو أول بذاته متصف بكمال الوصف والفعل، فالكون إنما خلق لتظهر آثار أسمائه وصفاته فيه ربوبية، فيوحده ويفرده المكلفون من الجن والإنس بالعبودية: ألوهية، فله كمال الانفراد بالألوهية فذلك فرع لازم عن كمال انفراده بالربوبية، على ما اطرد مرارا، من دلالة التمانع بين فعل الرب جل وعلا: ربوبية وإحسانا، وفعل العبد: ألوهية وإجلالا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 04 - 2010, 09:06 ص]ـ

قال ابن القيم رحمه الله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير