تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"والمقصود أَن الملك والحمد فى حقه متلازمان، فكل ما شمله ملكه وقدرته شمل حمده، فهو محمود فى ملكه وله الملك والقدرة مع حمده، فكما يستحيل خروج شيء من الموجودات عن ملكه وقدرته يستحيل خروجها عن حمده وحكمته، ولهذا يحمد سبحانه نفسه عند خلقه وأَمره، لينبه عباده على أَن مصدر خلقه وأَمره عن حمده، فهو محمود على كل ما خلقة وأَمر به حمد شكر وعبودية، وحمد ثناءٍ ومدح، ويجمعهما التبارك، فتبارك الله يشمل ذلك كله، ولهذا ذكر هذه الكلمة عقيب قوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ، تَبَاركَ اللهُ رَبُّ العالَمِينَ} ". اهـ

ص148.

فالملك والحمد متلازمان شرعا وعقلا، فالملك: السبب، والحمد: المسبَّب عنه، فالملك مئنة من القدرة والحكمة، فهو ملك للشيء وتدبير لشأنه، كونا وشرعا، كما تقدم مرارا، والتدبير لا يكون إلا بعلم بحال المدبَّر، وحكمة بإجراء ما يلائم حاله من الأسباب الكونية الملائمة لقوى بدنه المحسوسة، والأسباب الشرعية الملائمة لقوى روحه المعقولة، فمن له ذلك الوصف المحيط بخلقه، لا يكون إلا محمودا في ذاته وأسمائه وصفاته، فله كمال الذات القدسية، وله كمال الأسماء والصفات العلية، وحمده، عز وجل، حمد ثناء، فذلك من قبيل دعاء الثناء الذي يصدر به دعاء المسألة، توطئة للطلب، فذلك من كمال الأدب مع ملوك الدنيا، فملك الملوك، جل وعلا، أحق به وأولى، فله المثل الأعلى، وحمد شكر وعبودية، فهو لازم الثناء، فيثني العبد على ربه، جل وعلا، بما هو أهله من صفات الربوبية التي تقتضي لزوما: إفراده، جل وعلا، بأجناس العبودية، والحمد منها، فيحمد على عطائه شكرا، ويحمد على منعه صبرا ورضا، فيجمع النوعين: التبارك، ولعل ذلك وجه إفراده، جل وعلا، بهذا الوصف، كما قال بعض أهل العلم، فالتبارك لا يكون إلا للرب، جل وعلا، فـ: "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، فتبارك على جهة الألوهية ثناء لاتصافه بكمال وصف الربوبية ملكا وقدرة وخلقا، إذ لا يستحق الحمد على جهة العموم لكمال وصفه وكمال فعله بالعطاء والمنع، بالمعافاة والابتلاء .... إلخ إلا هو، فكل محمود سواه فإنما يحمد لغيره، فيحمد العبد على نفعه المتعدي إلى غيره، بينما الرب، جل وعلا، يحمد لذاته لكمال وصفه اللازم من علم وحكمة ..... إلخ، ويحمد لغيره لسبوغ نعمته على أوليائه فذلك من وصف فعله المتعدي إلى غيره، وعظيم نقمته على أعدائه فذلك، أيضا، من وصف فعله المتعدي، ولكن الأول: وصف جمال وفضل، ترجوه النفوس رغبة، والثاني: وصف جلال وعدل، تخشاه النفوس رهبة.

فـ: "أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ": فذلك مئنة من كمال ملكه، فخلق بقدرته، فالخلق المشهود أثر كلماته التكوينية النافذة، وأمر في ملكه بما يشاء: تكوينا فجاءت الكائنات كما قد قدر وكتب، فقضاؤها في عالم الشهادة تأويل المعلوم الأول، و: تشريعا على ألسنة رسله عليهم السلام فبعثهم بأصدق الأخبار وأعدل الأحكام، ففيها الصلاح العاجل والآجل، وبها يقع الابتلاء، فالناس في الأخبار إما: مصدق وإما مكذب، وفي الأحكام إما: طائع وإما عاص، ولا ينفك الأمران عن بعضهما، فبينهما تلازم شرعي وعقلي وحسي وثيق، فإن التصديق الباطن على جهة الإقرار الجازم أصل كل حركة ظاهرة: نطقا أو فعلا، فلذلك شمل الإيمان: الاعتقاد والقول والعمل، فالأول منشأ الآخرين، فمن المحال عقلا أن يقع الانفكاك بين إرادة باطنة، وآلة نطق أو فعل صحيحة مختارة، فلا بد أن يكون الفرع دليلا على الأصل: صحة أو فسادا، إلا إذا كان صاحبه: منافقا، وهو مع ذلك لا بد أن يفتضح، فيجري على لسانه أو جوارحه ما يدل على حقيقته، ولا يقدح ذلك في الأصل، لأنه استثناء لا يعول عليه في تقرير القاعدة الجامعة التي يسلم بها كل عاقل يدرك طبيعة النفس البشرية المتحركة باطنا بالتصورات والإرادات، والمتحركة ظاهرا بتأويل ذلك بالأقوال والأفعال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير