تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالتمانع في الربوبية باطراد السنن الكونية فلا نقص في تدبير الكون فهو على وصف من الصلاح ظاهر لكل ذي بصر وبصيرة، ذلك التمانع مئنة من التمانع في الألوهية، فالآمر واحد، إذ لو تعددت الآلهة الآمرة لوقع التعارض بل والتناقض بين أوامرها لزوما، فحصل من ذلك من الفساد في الكون ما لا مندوحة عنه، وانتظام أمر العالم على هذا النحو البديع شاهد ببطلان ذلك، فبطل الملزوم لبطلان لازمه.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"ومن أَعظم نعمه علينا وما استوجب حمد عباده له أَن يجعلنا عبيداً له خاصة ولم يجعلنا ربنا منقسمين بين شركاءَ متشاكسين، ولم يجعلنا عبيداً لإِله نحتته الأَفكار، لا يسمع أَصواتنا ولا يبصر أَفعالنا ولا يعلم أَحوالنا ولا يملك لعابديه ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولا تكلم قط ولا يتكلم ولا يأْمر ولا ينهى، ولا ترفع إِليه الأَيدي ولا تعرج الملائكة والروح إِليه، ولا يصعد إِليه الكلم الطيب، ولا يرفع إِليه العمل الصالح، وأَنه ليس داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا خلفه ولا أَمامه ولا متصلاً به ولا منفصلاً عنه ولا محاذياً له ولا مبايناً، ولا هو مستو على عرشه ولا هو فوق عباده، وحظ العرش منه حظ الحشوش والأَخلية ولا تنزل الملائكة من عنده بل لا ينزل من عنده شيء ولا يصعد إِليه شيء ولا يقرب منه شيء، ولا يحِب ولا يحَب، ولا يلتذ المؤمنون بالنظر إِلى وجهه الكريم فى دار الثواب، بل ليس له وجه يرى ولا له يد يقبض بها السماوات وأُخرى يقبض بها الأَرض، ولا له فعل يقوم به ولا حكمة تقوم به، ولا كلم موسى تكليماً، ولا تجلى للجبل فجعله دكاً هشيماً، ولا يجيء يوم القيامة لفصل القضاءِ". اهـ

ص149، 150.

فمن أعظم نعمه توحد وجهة الداعين، فوجهتم رب واحد له من الأسماء والصفات ما تعرف به إلينا، فله الأسماء الحسنى والصفات العلى بخلاف من نفى صفات كماله، كما هي طريقة المعطلة، أو أثبت له وصف سوء كحال النصارى الذين شبهوه بالبشر، فحل بذاته أو وصفه في ناسوت بشري مخلوق فجرى عليه ما يجري على البشر من أعراض النقص الجبلي التي يتصف بها المربوب ويتنزه عنها الرب، جل وعلا، وحال المجسمة الذين جعلوا أوصافه العلية من جنس الأوصاف البشرية، فأهل الإسلام عموما، وأهل السنة خصوصا أسعد الناس حظا في هذا الباب الجليل، كسائر أبواب الدين، فخبرهم صحيح وقياسهم صريح، فالمستند النقلي: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)، والمستند العقلي: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، فنزل الكتاب العزيز بلسان عربي مبين ليعقله أولوا الألباب، فهو: (هُدًى لِلنَّاسِ): فذلك النقل الصحيح، و: (وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ): فذلك القياس الصريح، ففيه الدعوى الخبرية الصحيحة وفيه الدليل السالم من المعارضة على صحتها.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 04 - 2010, 08:28 ص]ـ

يقول ابن القيم، رحمه الله، في معرض بيان طريقة نفاة الصفات بالإطناب في النفي وذلك مما يستقبح في مدح آحاد الملوك فكيف بملك الملوك، عز وجل، فمن مقالتهم أنه جل وعلا:

"لا ينزل كل ليلة إلى سماءِ الدنيا فيقول: لا أَسأَل عن عبادي غيري، ولا يفرح بتوبة عبده إِذا تاب إِليه ويجوز فى حكمته تعذيب أَنبيائه ورسله وملائكته وأَهل طاعته أَجمعين من أَهل السموات والأرضين، وتنعيم أَعدائه من الكفار به والمحاربين والمكذبين له ولرسله، والكل بالنسبة إِليه سواءٌ ولا فرق ألبتة إِلا أَنه أَخبر أَنه لا يفعل ذلك، فامتنع للخبر بأَنه لا يفعله، لا لأَنه فى نفسه مناف لحكمته، ومع ذلك فرضاه عين غضبه وغضبه عين رضاه ومحبته كراهته وكراهته محبته، إِن هي إِلا إِرادة محضة ومشيئة صرفة يشاءُ بها لا لحكمة ولا لغاية ولا لأَجل مصلحة، ومع ذلك يعذب عباده على ما لم يعملوه ولا قدرة لهم عليه، بل يعذبهم على نفس فعله الذي فعله هو ونسبه إِليهم، ويعذبهم إِذا لم يفعلوا فعله ويلومهم عليه، يجوز فى حكمته أن يعذب رجالاً إِذا لم يكونوا نساءَ ونساءً حيث لم يكونوا رجالاً وطوالاً حيث لم يكونوا قصاراً وبالعكس وسوداً إِذا لم يكونوا بيضاً وبالعكس،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير