تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فذلك مسلك النفاة الذين امتحنوا عقيدة السلف أصحاب الحديث في شخص الإمام المبجل: أحمد بن حنبل، رحمه الله، وذلك شأن صاحب كل مقالة حادثة في الملل أو النحل، فإنه يعتقد أمرا، ثم يتكلف له الدليل، ولو بتأويل باطل شرعا وعقلا ينقض ما جاءت به النبوات نقضا، ثم يمتحن غيره عليه، فإن أجاب وإلا أبطن تكفيره أو تفسيقه، فإن سلط عليه بالقدر الكوني، فسيفه سيف ظلم غشوم، يستأصل المخالف، ولو كان الحق معه، فسيف إرهاب معنوي بتكفير أو حرمان من الخلاص، على طريقة رءوس الضلالة في دين النصارى المثلثة، وسيف إرهاب بدني بالقتل والتنكيل، ومحاكم تفتيش النصارى المثلثة، أيضا، خير شاهد على ذلك، فهم سلف لكل ضال جاهل متعصب، يسد على أتباعه منافذ الهداية بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى، وبصرف الهمم عن طلب الحق والتنفير منه ومن أهله بإطلاق الشائعات واختلاق الأكاذيب، على طريقتهم في هذا العصر، لا سيما في الآونة الأخيرة التي استعلن فيها القوم بسفالاتهم، مع غياب سيف الشريعة الحاسم لأدواء الصدور، فهم، عند التأمل، سلف كل محدث في الملة الآخرة، فالجهل والتعصب والتشنيع على المخالف بالكذب المكشوف والإرهاب لطلاب الحق من الأتباع، وإلهاء الجموع عن المسائل العقلية الملحة التي يجدها كل ذي عقل ينتحل مقالة تنقض دلالة العقل نقضا، فمن أحدث في هذا الأمر فإنه حتما سيقع في التناقض الذي يفضح زيف طريقته، ومع تخاذل أهل الحق تارة، وعجزهم عن نصرة المستضعفين من طلاب الحق المسترشدين أخرى، يستطيل أهل الباطل أكثر وأكثر، وليس ثم سلطان للشرع يفزع إليه المستضعفون، فسلطان هذا الزمان: سلطان جور يحكم بما تمليه الأهواء والمصالح دون نظر إلى المصالح والمفاسد الشرعية المعتبرة.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فللَّه العظيم أَعظم حمد وأَتمه وأَكمله على ما منَّ به من معرفته وتوحيده والإقرار بصفاته العلى وأَسمائه الحسنى، وإِقرار قلوبنا بأَنه الله الذى لا إِله إِلا هو عالم الغيب والشهادة رب العالمين قيوم السماوات والأرضين إِله الأَولين والآخرين، ولا يزال موصوفاً بصفات الجلال، منعوتاً بنعوت الكمال، منزهاً عن أضدادها من النقائص والتشبيه والمثال.

فهو الحي القيوم الذي لكمال حياته وقيوميته لا تأْخذه سنة ولا نوم، مالك السماوات والأرض الذي لكمال ملكه لا يشفع عنده أَحد إِلا بإِذنه، العالم بكل شيء الذي لكمال علمه يعلم ما بين أَيدي الخلائق وما خلفهم فلا تسقط ورقة إلا بعلمه ولا تتحرك ذرة إلا بإذنه يعلم دبيب الخواطر في القلوب حيث لا يطلع عليها الملك ويعلم ما سيكون منها حيث لا يطلع عليه القلب، البصير الذي لكمال بصره يرى تفاصيل خلق الذرة الصغيرة وأعضائها ولحمها ودمها ومخها وعروقها، ويرى دبيبها على الصخرة الصماءِ في الليلة الظلماءِ، ويرى ما تحت الأرضين السبع كما يرى ما فوق السموات السبع. السميع الذي قد استوى فى سمعه سر القول وجهره، وسع سمعه الأصوات، فلا تختلف عليه أصوات الخلق، ولا تشتبه عليه، ولا يشغله منها سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يبرمه كثرة السائلين". اهـ

ص151.

فتلك طريقة الأنبياء عليهم السلام، فقد فصلوا القول في إثبات وصف الرب جل وعلا فهو:

الحي القيوم فله كمال الذات والأسماء والصفات والأفعال: فحياته، جل وعلا، أصل صفات الذات، وقيوميته أصل صفات الأفعال، فله كمال الذات وما يقوم بها من الأفعال على الوجه اللائق بذاته القدسية، فهو الحي لزوما، المحيي تعديا، القائم بنفسه لزوما، المقيم لغيره تعديا، فله كمال وصف الذات اللازم، وكمال وصف الفعل المتعدي.

وهو العالم الذي أحاط علمه بكل الموجودات: فعلم الكلي والجزئي، الماضي والحاضر والمستقبل، فعلمه أول أزلي، به يكون التقدير، ثان، لما يقع في عالم الشهادة من التأويل للمقدور الأول، فقدر أولا وأحصى ثانيا، وعلمه قد بلغ الغاية فهو الخبير العليم بدقائق الأمور، الحكيم فذلك لازم إحاطته للكون بعلمه، فلا يقع شيء فيه إلا لحكمة ربانية جليلة علمها من علمها وجهلها من جهلها، فليست حكمته من جنس حكمة البشر ليجري عليها ما يجري على أفعال البشر من الأحكام تحسينا أو تقبيحا، مرده إلى الشرع، فالرب، جل وعلا، منزل الشرع، فكيف يحكم على فعله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير