تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بما شرعه لغيره؟!. وذلك سبب زلل القدرية النفاة، الذي قاسوا فعل الرب الكامل على فعل العبد الناقص، فهم مشبهة الأفعال كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا.

وهو البصير بالأعيان والأحوال، قد ثبت له وصف العينين، على الوجه اللائق بجلاله، فذلك مفهوم النفي في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في وصف الدجال: "إن الله لا يخفى عليكم، إن الله ليس بأعور، وأشار بيده إلى عينه، وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية"، فهو من الوصف الذاتي الخبري، يبصر بهما كيف شاء، فمن بصره: بصر الإحاطة بالأعيان، وبصر الإحاطة بالأعمال فـ: (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)، وبصر العناية بأوليائه، ففلك نوح عيسى عليه السلام: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ)، مئنة من كمال العناية بنوح ومن معه من المؤمنين فتلك من العناية الخاصة بجماعة، و: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)، فتلك من العناية الخاصة بفرد، و: (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، فتلك من العناية بالتأييد للرسل عليهم السلام حال البلاغ.

وهو السميع: فذلك أيضا مئنة من كمال علمه ونفاذه في كل الكائنات، فله سمع الإحاطة العام الذي وسع كل الأصوات، وسمع الإحاطة الخاص على جهة التهديد لأعدائه: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)، وسمع الإحاطة الخاص على جهة التأييد لأوليائه كما تقدم في قوله تعالى: (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، فهو تأييد لهما من وجه، تهديد لعدوهما من وجه آخر.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"قالت عائشة: الحمد لله الذي وسع سمعه الأَصوات، لقد جاءَت المجادلة تشكو إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأني ليخفي علي بعض كلامها، فأنزل الله عز وجل: {قَدْ سَمِع اللهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسمَعَ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1] ". اهـ

ص151، 152.

فالآية قد تضمنت وصف الرب، جل وعلا، بالسمع، ماضيا قد دخلت عليه "قد" تحقيقا، فذلك من سمع الإحاطة العام، وهو يدل لزوما على إحاطته العلمية لسائر الكائنات، فسمع الله، عز وجل، قولها، وسمع تحاروها مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، على حد المضارعة، استحضارا لتلك الصورة الدالة على كمال وصف الرب، جل وعلا، فضلا عما تدل عليه من تجدد تعلق وصفه بالمسموعات حال وقوعها، فذلك وصف متجدد بتجدد تعلق سمعه، تبارك وتعالى، بما شاء حدوثه من المسموعات، فصفة السمع صفة ذات باعتبار قيامها بالذات القدسية، صفة فعل باعتبار تعلقهابمشيئته، عز وجل، سماع ما يقع في كونه من المسموعات على جهة الإحاطة أو التهديد أو التأييد، كما تقدم من دلالات سمع الباري، عز وجل، في التنزيل، فله، تبارك وتعالى، كمال الذات والفعل، وذيلت الآية بإثبات وصف السمع بصيغة المبالغة مقرونا بالبصر، فهما لازما العلم المحيط، كما تقدم، فالآية قد استجمعت من أوصاف الرب، جل وعلا، صفات الإحاطة: سمعا وبصرا بدلالة المنطوق الصريح، وعلما بدلالة اللزوم، فعلمه قد أحاط بكل المعلومات، كما سمعه وبصره قد أحاط بكل المسموعات والمبصرات، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، لا يفوته سماع داع أو مناج، فيعطي فضلا، ويمنع إما فضلا بادخار ثواب الدعاء، أو برد مقدور شر به فما زالا يتعالجان، وإما عدلا لقيام مانع الإجابة من خبث مطعم، أو دعاء بإثم ..... إلخ من أسباب المنع، وأظهر اسم الرب تبارك وتعالى: "الله": الدال على الذات القدسية المتصفة بكل كمال، أظهر في المواضع الأربعة: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ"، و: "وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ"، و: "وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا"، و: "إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ"، تربية للمهابة باستحضار صورة الإجلال للرب، جل وعلا، ذي الجلال، فسمع الإحاطة مئنة من إحصاء ما يلفظ به اللسان، فـ: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، فجاءت النكرة في سياق النفي المقرون بالاستثناء حصرا، فدلت على العموم مئنة من كمال

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير