تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم عرض ابن القيم، رحمه الله، إلى صورة من صور كمال القدرة الربانية بقوله:

"ولكمال قدرته خلق السموات والأَرض وما بينهما في ستة أَيام وما مسه من لغوب ولا يعجزه أحد من خلقه، ولا يفوته، بل هو فى قبضته أَين كان، فإن فر منه فإِنما يطوى المراحل في يديه كما قيل:

وكيف يفر المرءُ عنك بذنبه ******* إِذا كان يطوي فى يديك المراحلا". اهـ

ص152.

فخلق فذلك وصف الإثبات المراد لذاته، وما مسه من لغوب أو نصب، فذلك وصف النفي المراد لغيره، فالنفي الدال على العموم المؤكد بـ: "من"، آكد، كما تقدم، في تقرير الوصف، ومع تضمنه التنزيه للرب، جل وعلا، عن وصف السوء، فإنه يدل لزوما على اتصافه، عز وجل، بكمال ضده من وصف القدرة، فهو القدير على الخلق إيجادا فلا يعجزه خلق الكائنات: (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ): فذلك من الاستفهام الإنكاري الإبطالي في معرض تقرير الحجة العقلية الدامغة على منكري البعث، فإنه، عز وجل، لم يعجزه الخلق الأول، بل هو البديع الذي أوجد لا على مثال سابق، فإعادة الخلق الجديد جائزة بل واجبة شرعا وعقلا في حقه، جل وعلا، فذلك من قياس الأولى الذي تكرر وروده في التنزيل في معرض تقرير الأخبار من بعث ونشور، فضلا عن استعماله في تقرير أسماء وصفات الرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، فهو خالق الكمال في كونه، فاتصافه به ثابت من باب أولى، وهو الأولى بكل كمال مطلق، فما كان منه في خلقه، فهو ثابت له من باب أولى، فالمخلوق قد يوصف بالعلم مع قصور علمه، فيوصف الرب، جل وعلا، وجوبا، لدلالة الشرع والعقل، بالعلم مع كماله وتنزهه عن عوارض النقص من جهل أو نسيان، فوصفه بالعلم الكلي الكامل قياسا على اتصاف المخلوق بالعلم الجزئي الناقص، من قياس الأولى، فله من كل وصف ثناء مطلق أرفع درجة وأعلى منزلة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 05 - 2010, 08:26 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"ولكمال غناه استحال إضافة الولد والصاحبة والشريك والشفيع بدون إِذنه إِليه". اهـ

ص152.

فإضافة الولد والصاحبة له: مئنة من نقص الذات، فيفتقر إلى زوج، كما يفتقر الأزواج إلى بعضهم في عالم الشهادة، وذلك مما يتنزه عنه الرب، جل وعلا، بداهة، فهو الغني بذاته عن الأسباب، فلا يستوحش ليفتقر إلى الأنس بزوج أو ولد، فذلك وصف نقص تنزه عنه من الأزل، فله كمال الذات والوصف أزلا وأبدا، وإنما يستوحش من نقصت ذاته أو صفاته فافتقر إلى ما يكمل نقصه ويجبر كسره: حسا أو معنى، فيفتقر إلى الزوج حسا ليقضي وطره، ويفتقر إليه معنى ليشبع نفسه بالأنس به والتودد إليه كما يقع بين الأزواج في هذه الدنيا، وتلك معان لا تليق بداهة بمن كملت ذاته وصفاته، فقياسه وهو الكامل كمالا ذاتيا أزليا أبديا مطلقا، على الناقص جبلة فلا ينفك عن افتقار إلى رب الأسباب، جل وعلا، لييسر له منها ما يقيم أمره ويصلح شأنه، ذلك القياس من الفساد بمكان، فالرب يطعم ولا يطعم، ويرزق ولا يرزق، فـ: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، وبذلك احتج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على وفد نصارى نجران، فالمسيح عليه السلام بالإجماع: كان يأكل ويشرب وينام ويحدث ...... إلخ من عوارض الجبلة البشرية الناقصة، فـ: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)، ولا يعيبه ذلك فـ: (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ)، ولازم العبودية العامة: الافتقار إلى الأسباب الكونية من مطعم ومشرب ..... إلخ، فمن نازع في ذلك بالإقلال من الطعام والشراب على وجه يقع به الإخلال والإضرار بالبدن، لزهد يدعيه، وإنما هو محص غلو قد أحدثه، فرام الخروج عن طور البشرية إلى طور الملائكية، وربما الإلهية!، إن كان الجوع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير