تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)، و: "ألا وإن ما حرم رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم مثل ما حرم اللَّه"، فالغني لا أرب له في غيره ليظن في حكمه ميل أو جور، فإنما يقع الجور لافتقار الحاكم الجائر إلى ما يمكن به سلطانه ويقهر به أتباعه، ولو كان ظلما وهضما لحقوقهم، كما هو حال أئمة الجور في زماننا وفي كل زمان، فالفقر الذاتي اللازم لهم يحملهم على ظلم غيرهم بسن القوانين الجائرة فيها تستباح الأنفس والأموال، ولا فقر أعظم من ذلك، وهو مما تنزه عنه الرب، جل وعلا، بداهة: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا"، فلا يظلم، جل وعلا، عباده، وإن كان قادرا على ذلك، لكمال غناه، فوصفه على الضد من وصف ملوك الدنيا: فالغنى وصف ذاتي لازم له، به يتنزه عن ظلم العباد بهضم حقوقهم فـ: (مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا)، و: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)، بل إنه الشكور لعملهم، وإن قل، فيربيه لهم: (وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ)، وينميه لهم فـ: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ"، ويثمره لهم بالتكثير: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ)، والتضعيف فـ: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً)، فمن ذلك وصفه كيف لا تكون ذاته أكمل الذوات وأشرفها وصفاته أكمل الصفات وأعظمها وأفعاله أعدل الأفعال وأحكمها، وشرائعه المنزلة، لا سيما الشريعة الخاتمة، أكمل الشرائع وأوفاها بيانا لما يجب انتحاله من الأخبار وامتثاله من الأحكام، فمن آمن بغناه المطلق لزمه أن يرضى ويسلم لأمره الكوني النافذ وأمره الشرعي الحاكم، فذلك مناط التكليف والابتلاء.

وإثبات الشريك والشفيع بدون إذنه له: مئنة من نقص الفعل، فالعاجز عن فعل الشيء بنفسه هو الذي يفتقر إلى شريك يقاسمه التصرف أو يظاهره، وكلا الأمرين منتف في حق غير الله عز وجل: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)، وذلك مما باين فيه أهل الحق أهل الباطل من الغلاة في الأكابر كالأنبياء والأئمة والأولياء، أو الأصاغر، كسائر من ادعي له الفضل، وليس له بأهل، فهم يثبتون للرب، جل وعلا، شريكا في الأمر الكوني، فليس منفردا بتدبير هذا الكون، بل من الأئمة والألياء من يقول للشيء كن فيكون، كما يزعم الغلاة من سدنة ورواد الأضرحة والمشاهد، وذلك ما لم يقع فيه حتى المشركون الأوائل، فلم يكن توحيد الربوبية: توحيد الملك والتدبير: محل نزاع بين الرسل عليهم السلام وأقوامهم، فـ: (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)، وإنما كان النزاع، كما تقدم مرارا، في لازم هذا التوحيد الذي لا ينفك عنه: توحيد الألوهية: توحيد الطاعة والانقياد، وأما حال الغلاة في زماننا: الوقوع في نوعي الشرك: العلمي فيثبتون للمخلوق وصف الخالق، عز وجل، من سماع دعاء وإجابة وتصرف في الكون بالضر أو النفع ...... إلخ، والعملي: فيصرفون له من أجناس العبادة ما لا يجوز صرفه إلا لله، عز وجل، فهو وحده: الرب الفعال لما يريد، المعبود بحق بما يشرع. وعند النظر والتأمل، يظهر أن الفساد في نوعي التوحيد: فساد متلازم، فإنه ما دعا غير الله، عز وجل، فوقع في شرك العبادة إلا بعد أن اعتقد أن لهذا الغير من وصف الرب، جل وعلا، من التصرف والتأثير في الكون

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير