تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإن العلو من لوازم العظمة، كما تقدم مرارا، فمن مفرداته: علو الشأن، وذلك من مقتضيات العظمة، فالعظيم عظيم في ذاته، عظيم في وصفه، عظيم في قدره، عظيم في قهره ..... إلخ، وقل مثل ذلك في العلو فمنه الذاتي ومنه الوصفي، ومنه علو القدر والقهر ....... إلخ، فتعالى أن يشبه وصفه وصف، وتعالى أن يحيط به عقل، وإنما للعقل، كما تقدم مرارا، إدراك المعاني الذهنية دون الحقائق الخارجية، وتعالى أن يحيط بوصفه مخلوق، فلا تحده جهة مخلوقة، وإنما له العلو المطلق، وتعالى أن يحيط بكلماته قرطاس أو مداد، فإن المخلوق لا يحيط بغير المخلوق بداهة، وبذلك رد أهل الإسلام والسنة على من قال بحلول الوصف الإلهي في المخلوق الأرضي ناسوتا حيا كان كالنصارى، أو كائنا جامدا كالمعتزلة الذين قالوا بخلق الكلمات الإلهية في الشجرة التي نودي موسى الكليم، عليه السلام، من جهتها، وأضل منهم من قال من النصارى الأرثوذكس بحلول الرب، جل وعلا، نفسه في ناسوت المسيح عليه السلام فلزمهم أن يكون هو المخلوق في رحم البتول، عليها السلام، المولود لها، المغتذي بلبنها، المحدث للحدث كسائر البشر، المفتقر إلى الطعام والشراب والنوم ..... إلخ من عوارض البشر التي احتج بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جداله لأهل الكتاب من نصارى نجران، كما تقدم، وأضل منهم من قال بالحلول أو الاتحاد العام بسائر المخلوقات كما قد صرح بذلك غلاة أهل الطريق، فلا مقالة في الدنيا في الرب الإله المعبود أفسد من مقالتهم، وكل تلك المقالات إنما صدرت من قائليها لكون بضاعتهم من النبوات: مزجاة، فإما نقل مبدل، وإما قياس عقل فاسد، وإما ذوق فاسد غلا في الفناء في ذات المعبود، جل وعلا، محبة، بزعمه، فوقع في فناء الوجود، وما يلزم منه من الحلول أو الاتحاد، فلكل نصيبه من الضلال بقدر بعده عن مصدر التلقي المعصوم: وحي النبوات المحفوظ رواية فنقله متواتر، ودراية، فبلسان عربي مبين قد نزل، فلا يحمل إلا على لسان من قد نزل عليهم، ولم يكن ذلك إلا لأهل الإسلام عموما، وأهل السنة خصوصا.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وهو سبحانه يحب رسله وعباده المؤمنين ويحبونه، بل لا شيء أَحب إِليهم منه ولا أشوق إليهم من لقائه ولا أَقر لعيونهم من رؤيته ولا أحظى عندهم من قربه، وأَنه سبحانه له الحكمة البالغة فى خلقه وأمره وله النعمة السابغة على خلقه، وكل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل، وأنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها". اهـ

ص152.

فذلك من وصفه، عز وجل، بصفة المحبة على الوجه اللائق بجلاله، فهي محبة حقيقية، لا يلزم منها ما يلزم من بعض آثار محبة البشر المخلوق، فبعضهم يظلم ويتعدى إرضاء لمحبوبه، فيميل إليه لمحبته، وإن كان ظالما جائرا، فيغمض عينه عن مساويه، لميله إليه ميلا جائرا يناقض معنى العدل الذي يعطى به الحق لأصحابه، ولو كانوا أعداء، وينزع به الحق ممن ليسوا بأصحابه، وإن كانوا أحبة، فذلك العدل المستوجب لوضع كل شيء في محله وإعطاء كل ذي حق حقه، فبه تقوم السماوات والأراضين، وبه تستقيم أمور الدنيا والدين، فالمحبة البشرية قد تنقض هذا المعنى من وجه إذا كانت ميلا واتباعا للهوى، ولذلك علقت المحبة الكاملة، وهي محبة العبد لربه، جل وعلا، على اتباع الرسالة تصديقا وامتثالا، فـ: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وذلك أمر يقتضي العدل لزوما، فإن الرسالات لم تأمر بالجور، بل قد أمرت بالعدل في كل أبواب الديانة، ففي حق الرب، جل وعلا، أمرت بتوحيده فهو صاحب هذا الحق الذي لا شريك له فيه ولا منازع، فقياس العقل الصريح: إعطاء كل ذي حق حقه، ولا يوجد أحد سوى الله، عز وجل، يستحق صرف شيء من العبادة الباطنة أو الظاهرة له، بل الرسل عليهم السلام ما انقادت القلوب لرسالاتهم إلا فرعا عن كونها من الرب، جل وعلا، قد صدرت، فاتباعهم المطلق فرع عن الأمر الشرعي بذلك لمكان عصمتهم، كما تقدم من آية المحنة، فهم المبلغون عن الرب، جل وعلا، رسالاته أخبار وأحكاما، فاتباعهم عند التحقيق: اتباع لمرسِلهم، جل وعلا، فتوحيد المرسَل بتصديقه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير