تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"فهو محسن يحب المحسنين، شكور يحب الشاكرين جميل يحب الجمال، طيب يحب كل طيب، نظيف يحب النظافة، عليم يحب العلماءَ من عباده، كريم يحب الكرماءَ، قوي والمؤمن القوي أَحب إِليه من المؤمن الضعيف، بر يحب الأَبرار، عدل يحب أَهل العدل حى ستير يحب أهل الحياءِ والستر عفو غفور يحب من يعفو من عباده ويغفر لهم، صادق يحب الصادقين، رفيق يحب الرفق، جواد يحب الجود وأهله، رحيم يحب الرحماءَ، وتر يحب الوتر، ويحب أَسماءه وصفاته ويحب المتعبدين له بها ويحب من يسأَله ويدعوه بها ويحب من يعرفها ويعقلها ويثني عليه بها ويحمده ويمدحه بها.

كما فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم: (لا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، ولا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ)، وفي حديث آخر صحيح: (لا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذَى سَمْعِهِ مِنَ اللهِ، يَجْعَلُونَ لَهُ وَلَداً وَهُوَ يَرْزقُهُمْ وَيُعَافِيهِم) ". اهـ

ص153.

فيحب من عباده من اتصف بوصفه الذي يجوز للمخلوق أن يتصف به، فهو كمال في حقه، كما أنه كمال في حق الخالق، جل وعلا، من باب أولى فـ: "فهو محسن يحب المحسنين ......... "، فيحب أسماءه وصفاته، ويحب من اتصف بها، وذلك مخصوص بما لا يجوز للعباد الاتصاف به من أوصاف الجلال كالكبرياء والعظمة والجبروت، فهي كمال في حق الرب، جل وعلا، نقص في حق المخلوق، فلا تلائم حاله، فالفقر والنقص والضعف أوصاف لازمة لمحله، فلا يصلح لقبول آثار صفات الجلال، بخلاف ذات الرب، جل وعلا، فله من الغنى والكمال والقوة ما صح بل وجب معه شرعا وعقلا: وصفه بأوصاف الجلال فهي لازمة لذاته لا تنفك عنها، وهي متعلق الرهبة، كما أن أوصاف الجمال لازمة، أيضا، لذاته، فلا تنفك عنها، وهي متعلق الرغبة، وبينهما يتردد العباد فتارة يرهبون فيتركون، وأخرى يرغبون فيعملون.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"ولمحبته لأَسمائه وصفاته أمر عباده بموجبها ومقتضاها، فأمرهم بالعدل والإِحسان والبر والعفو والجود والصبر والمغفرة والرحمة والصدق والعلم والشكر والحلم والأَناة والتثبت ولما كان سبحانه يحب أَسماءَه وصفاته كان أَحب الخلق إِليه من اتصف بالصفات التى يحبها، وأَبغضهم إِليه من اتصف بالصفات التى يكرهها، فإِنما أبغض من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت لأَن اتصافه بها ظلم، إِذ لا تليق به هذه الصفات ولا تحسن منه، لمنافاتها لصفات العبيد، وخروج من اتصف بها من ربقة العبودية ومفارقته لمنصبه ومرتبته، وتعديه طوره وحدَّه، وهذا خلاف ما تقدم من الصفات كالعلم والعدل والرحمة والإِحسان والصبر والشكر فإِنها لا تنافى العبودية، بل اتصاف العبد بها من كمال عبوديته، إِذ المتصف بها من العبيد لم يتعد طوره ولم يخرج بها من دائرة العبودية". اهـ

ص153، 154.

فذلك جار على ما تقرر من حسن اتصاف العبد بما يليق له الاتصاف به من صفات الرب، جل وعلا، وقبح اتصافه بما لا يليق له لمنافاته وصف العبودية، فصفات الجلال والعظمة، كما تقدم، مظنة الغنى المطلق، وذلك وصف: واجب للرب، جل وعلا، فصح اتصافه بها، محال في حق العبد بل الواجب الثابت في حقه: ضده من الفقر المطلق، فبطل اتصافه بها بداهة، فلكل ذات ما يليق بها من الأسماء والأوصاف والأفعال كمالا أو نقصانا، فللرب، جل وعلا، منها: الكمال المطلق، وللعبد منها: ما لا ينفك عن النقص، وإن مدح شرعا وعقلا لاتصافه به، فإن وصف بالعلم: فعلمه ناقص يعتريه الجهل السابق والنسيان الطارئ، وإن وصف بالحكمة: فحكمة قاصرة لا تدرك المآل فغايتها أن تدرك الحال ولذلك لم يكن للعقول حظ في تقرير الشرائع فذلك منصب قد تفرد به الرب جل وعلا وإن نازعه من نازعه من البشر فشرائعهم ناقصة فرعا عن نقصان عقولهم ومداركهم فليس لهم من الحكمة البالغة والعلم المحيط ما للرب جل وعلا، وإن وصف بالكرم: فكرم محدود فلا يسع الناس بعطائه، وإن عظم، وإن وصف بالحلم: فحلم لا ينفك عن عوارض النقص من جهل بحلم في غير موضعه، أو غضب يتعدى به على غيره فـ: "اتق شر الحليم إذا غضب" والغضب في حق البشر مظنة الظلم وذلك أمر قد تنزه عنه الرب، جل وعلا، وإن وصف بالعدل فبقدر ما بلغه علمه، فـ: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ"، فيجتهد الحاكم في إقامة العدل قدر استطاعته، فإن استفرغ وسعه فلم يصب العدل لما حجب عنه مما انطوت عليه صدور المتخاصمين لديه، فلا إثم عليه، والقضية قد أجلت لمجلس قضاء آخر في الدنيا لمن أراد الرب، جل وعلا، القصاص منه في هذه الدار، أو في الآخرة فهي دار القصاص الكامل، ولذلك كانت الآخرة، كما يقول بعض الفضلاء، ضرورة شرعية وعقلية، فلو لم يأت الشرع بإثباتها وبيان أحوالها لدل عليها العقل إجمالا، فكثير من المظلومين قد ماتوا ولما يستوفوا حقهم، وكثير من الظالمين ماتوا ولما ينالوا جزاءهم، فلا بد شرعا وعقلا من دار أخرى تحال إليها هذه القضايا المؤجله فـ: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير