تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 05 - 2010, 08:41 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"والمقصود أَنه سبحانه لكمال أَسمائه وصفاته موصوف بكل صفة كمال، منزه عن كل نقص، له كل ثناءٍ حسن ولا يصدر عنه إِلا كل فعلٍ جميل، ولا يسمى إِلا بأَحسن الأَسماءِ ولا يثنى عليه إِلا بأَكمل الثناءِ وهو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإِكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى كل ما أَمر به وشرعه". اهـ

ص154.

فله الحمد على قضائه الكوني النافذ، وله الحمد على قضائه الشرعي الحاكم، فهو المحمود على أمره الكوني، وأمره الشرعي، فكل قد صدر عن وصف كماله جلالا كان أو جمالا، على ما اطرد مرارا، من صدور آحاد الفعل الرباني عن أوصاف الكمال اللازمة لذاته من علم وسمع وبصر ..... إلخ، وأوصاف الأفعال المتعدية خلقا ورزقا ..... إلخ، فله كمال وصف الذات، وكمال وصف الفعل، نوعا لازما لذاته القدسية، وآحادا تتعلق بإرادته الكونية، فأفعاله في كونه آثار كمال ذاته وصفاته، فخلق الكون لتظهر آثار جلاله وجماله، فيحمد عليها حمد السراء المقرون بالشكران بالقلب والقول والفعل، وحمد الضراء فلا يحمد على مكروه سواه، فالمكروه، باعتبار ذاته، لا باعتبار صدوره من الأمر الكوني النافذ، فليس في أمره، جل وعلا، شر، بل قد تنزه عن الشر فعلا، وإن قدره في المأمور المقدور خلقا، فكماله في كل آن، وعلى كل حال، قد وجبت له معاني الحمد المطلق لكمال ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله المطلق، فالحمد المطلق لازم الكمال المطلق، بخلاف حمد غيره، فمهما بلغ كماله، فهو مقيد، فحمده على ذات الوصف من التقييد جار، فالمطلق للمطلق، والمقيد للمقيد، فذلك قياس العقل الصريح بالتفريق بين المتباينات، فلا يستوي حمد الخالق، عز وجل، على آلائه فهو المجري لها بكلماته الكونية النافذة، وحمد المخلوق، فحمده جار على وزان قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"، فشكرانه لكونه سببا في ورود النعمة، فليس مسبِّبا لها، ليشكر لذاته، بل كل ما خلا الله، عز وجل، فإنما يحمد لغيره، فغايته أن يكون من جملة الأسباب التي يجريها الله، عز وجل، بمقتضى سنته الكونية المحكمة في تعليق المسببات على أسبابها، فلا يشتغل بالسبب عن مسبِّبه، إلا من قصر نظره وغلظ حجاب قلبه، ولا يغفل شكر السبب المخلوق، فيجحد فضله، إلا من لؤم طبعه وفسد خلقه، فلا مناص من الجمع بين النوعين: حمد الخالق لذاته بما اتصف به من صفات كماله اللازم، وما أجراه من صور فضله المتعدي، وحمد المخلوق لغيره إذ يسره الله، عز وجل، لقضاء الحاجة وبذل المنفعة لطالبها، فصار أهلا للشكر، فذلك من تمام شكر خالقه عز وجل.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"ومن كان له نصيب من معرفة أَسمائه الحسنى واستقراء آثارها فى الخلق والأَمر، رأَى الخلق والأَمر منتظمين بها أَكمل انتظام، ورأَى سريان آثارها فيهما وعلم بحسب معرفته بها ما يليق بكماله وجلاله أَن يفعله وما لا يليق، فاستدل بأَسمائه على ما يفعله وما لا يفعله فإِنه لا يفعل خلاف موجب حمده وحكمته، وكذلك يعلم ما يليق به أَن يأْمر به ويشرعه مما لا يليق به، فيعلم أَنه لا يأْمر بخلاف موجب حمده وحكمته. فإِذا رأَى بعض الأَحكام جوراً وظلما أَو سفهاً وعبثاً ومفسدة أَو ما لا يوجب حمداً وثناءً فليعلم أَنه ليس من أَحكامه ولا دينه، وأَنه بريء منه ورسوله، فإِنه إِنما أَمر بالعدل لا بالظلم وبالمصلحة لا بالمفسدة وبالحكمة لا بالعبث والسفه". اهـ

ص154.

فله، جل وعلا، الخلق بالأمر، فالخلق فعله، والأمر كلماته التي بها يكون الفعل، فبالأمر الكوني يكون الخلق الأرضي، حيا كان أو جامدا، فبالأمر الكوني، خلق آدم عليه السلام من تراب، وبالكلمة الكونية كان المسيح عليه السلام من أم بلا أب، وبها تقام ممالك وتزول أخر، وإن جرى ذلك على مقتضى السنة الكونية في بناء الأمم وزوالها فلا يكون ذلك بين عشية وضحاها، بل يستغرق قرونا وأجيالا، والتاريخ بتعاقب أيامه وتبدل أحواله تأويل تلك السنة المحكمة التي تظهر فيها آثار قدرة الرب، جل وعلا، وحكمته، فـ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، فلا يتغير الحكم صحة أو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير