تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فسادا إلا بتغير الوصف صحة أو فسادا، فبأمره كان هذا الخلق، وبعطفهما ظهر التغاير بينهما، فالأول: مسبَّب، والثاني سببه، والسبب خارج عن المسبب في الماهية، وبه احتج أهل السنة على من أحدث مقالة خلق الكلمات الشرعية، فهي من جملة الأمر الذي ينقسم إلى: شرعي حاكم، وكوني نافذ، وكلاهما من وصف الخالق، عز وجل، فلا يكونان مخلوقان بداهة، فالمخلوق عن أحدهما، وهو الأمر الكوني، قد صدر، فهو علته الأولى فلا علة وراءها، فلزم التباين بينها وبين سائر العلل، فكل العلل التالية له: مخلوقة، وهو: غير مخلوق لقيامه وصفا بالخالق، عز وجل، وهو غير مخلوق بداهة.

ومن نظر في آثار أمره، جل وعلا، في كونه، فتأمل انتظام العالم، فهو على سنن الحكمة والإتقان جار، علم صدق رسالاته التي جاءت بوصفه بأكمل الصفات ونعته بأكمل النعوت، فوصف ذاته أكمل وصف، ووصف فعله أعدل وصف، فله الحمد لذاته ولغيره مما قد أراده في كونه، فـ: (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ)، وله الحمد على ما تفضل به من النعم، وله الحمد على ما ابتلى به من المحن، وذلك الحمد الذي يعسر على كثير من النفوس وإن جرت به الألسنة في أزمنة السعة فلا ابتلاء، وأزمنة الضيق والحال يكذب المقال، وله الحمد على أن ستر جزع النفوس حال الشدائد بما ألهم من الصبر، فذلك من فضله، وله الحمد بما فضح به وهن النفوس حال المصائب، فذلك من عدله، فالنظر في ذلك يجعل الإنسان يعلم ما يجب لربه، جل وعلا، وجوبا ذاتيا من أوصاف الكمال المطلق، وما يستحيل عليه من أوصاف النقص المطلق، وما يمكن في حقه فإن ورد الدليل بإثباته صار كمالا لاتصافه، جل وعلا، به، فلا يتصف إلا بكل كمال، ولا يتنزه إلا عن كل نقص، فتلك ضورة شرعية وعقلية غفل عنها من غفل ممن فسد قياس عقله وتردت فطرته في أودية الشرك والغلو، فجوز اتصاف الرب، جل وعلا، بما يتنزه عنه، من صفات النقص الذاتي، من اتخاذ صاحبة وولد، وجوع وعطش، وغفلة ونوم وموت، وجهل بالمآلات فلا يعلم ما هو آت، وذلك لسان مقال القدرية النفاة، ولسان حال العلمانيين ومن يروج لتبديل الشرائع برسم التجديد فلسان حاله، بل ومقاله إن أظهر زندقته صريحة، ورود ما كان خافيا عن الرب، جل وعلا، فلا يصلح حكمه الشرعي له، فوجب استحداث أو استيراد شرائع جديدة من عقول مضطربة قد صدرت فلا تسلم من أهواء وأذواق تنقض ناموس الشرع نقضا، فيكون تجديد الديانة بهدمها وبنائها من جديد على قواعد أرضية حادثة!، وذلك عين الطعن في النبوات، فإن من وصف الرب، جل وعلا، بالنقص في ذاته، كما وقع من النصارى ومن سار على طريقتهم في القدح في ذات الرب، جل وعلا، وصفاته بتجويز اتصافه بما لا يليق به من أوصاف النقص المطلق الذي تنزه عنه، أو نفي صفات الكمال عنه، أو تأويل صفاته فرارا من لوازم عقلية فاسدة ...... إلخ، من صنع ذلك فقد طعن في أخبار النبوة العلمية الصادقة، ومن عطل الشرائع وبدلها فقد طعن في أحكام النبوة العملية العادلة، فالنبوات قد جاءت بأصدق الأخبار العلمية وأعدل الأحكام العملية، وإنما يؤتى المرء من قبل جهله، فإنه ما قدح من قدح في النبوات إلا لقصور علمه بها، لهوى في نفسه مستحكم، قد صده عن طلب الحق وقبوله، فإن ظهر له، فما يزيده إلا نفورا واستكبارا، لفوات حظ نفسه بظهوره كحال سائر رءوس الضلالة في الدين أو الدنيا، فظهور الحق يؤذن بزوال رياساتهم، فليس لهم من التجرد في طلب الحق الباقي، والزهد في المتاع الفاني، ليس لهم من ذلك ما يجعلهم أهلا لقبول الحق واتباعه، فإن الحق عزيز لا تطيقه إلا النفوس العظيمة، بخلاف النفوس الحقيرة التي يثقل عليها حملانه، والصبر على الأذى في سبيل إعزازه، و:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم ******* وتأتي على قدر الكرام المكارم.

يقول ابن القيم رحمه الله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير