تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"وإِنما بعث رسوله بالحنيفية السمحة لا بالغلظة والشدة، وبعثه بالرحمة لا بالقسوة، فإِنه أَرحم الراحمين، ورسوله رحمة مهداة إِلى العالمين، ودينه كله رحمة، وهو نبى الرحمة وأُمته الأُمة المرحومة وذلك كله موجب أَسمائه الحسنى وصفاته العليا وأًَفعاله الحميدة، فلا يخبر عنه إِلا بحمده ولا يثنى عليه إِلا بأَحسن الثناءِ كما لا يسمى إِلا بأحسن الأسماءِ". اهـ

ص154.

فبعث الرب، جل وعلا، رسله، عليهم السلام، عموما، ورسوله الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم خصوصا، بتقرير آثار صفات كماله، جمالا وجلالا، فغلبت على بعض الرسالات آثار صفات الجلال كالرسالة الموسوية، وغلبت على بعضها الآخر آثار صفات الجمال كالرسالة العيسوية، وجاءت الرسالة الخاتمة بآثار الكمال: جلالا وجمالا، فهي الحنيفية السمحة، فلا إفراط ولا تفريط، فيسر مع إتقان، وذلك مئنة من علم وحكمة منزلها، جل وعلا، فنزلت الشريعة الخاتمة ببيان ما أجمل في الرسالات السابقة من أخبار الصدق وأحكام العدل، ولا يكون ذلك بداهة إلا ممن قد أحاط بعلمه سائر المعلومات وبلغت حكمته الغاية فلا تجري أحكامه إلا على سنن العدل والإتقان.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وقد نبه سبحانه على شمول حمده لخلقه وأَمره، بأن حمد نفسه فى أَول الخلق وآخره وعند الأَمر والشرع وحمد نفسه على ربوبيته للعالَمين، وحمد نفسه على تفرده بالإلوهية وعلى حياته، وحمد نفسه على امتناع اتصافه بما لا يليق بكماله من اتخاذ الولد والشريك وموالاة أَحد من خلقه لحاجته إِليه، وحمد نفسه على علوه وكبريائه، وحمد نفسه فى الأُولى والآخرة، وأخبر عن سريان حمده فى العالم العلوي والسفلي". اهـ

ص154، 155.

فهو المحمود لكمال غناه عن غيره فلم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وهو المحمود لكمال ربوبيته، فصفاته أكمل الصفات، وأفعاله أحكم الأفعال، وهو المحمود لكمال ألوهيته، فـ: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)، فله كمال الذات وكمال الصفات فهذه مقدمة أولى، ومن له ذلك الوصف من الكمال فهو المستحق وحده لوصف الربوبية الكاملة، فهذه مقدمة ثانية، ومن له ذلك الوصف من كمال الربوبية فهو المستحق وحده لوصف الألوهية الكاملة، فهذه مقدمة ثالثة، وليس ذلك إلا لله، عز وجل، فهذه نتيجة، فهو الرب الكامل، الإله الحق، فلا معبود بحق سواه.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"ونبه على هذا كله فى كتابه وحمد نفسه عليه، فتنوع حمده وأسباب حمده، وجمعها تارة وفرقها أُخرى ليتعرف إِلى عباده ويعرفهم كيف يحمدونه وكيف يثنون عليه، وليتحبب إليهم بذلك ويحبهم إذا عرفوه وأحبوه وحمدوه. قال تعالى: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 2 - 4]، وقال تعالى: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1]، وقال تعالى: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لهُ عِوَجاً قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِين} [الكهف: 1 - 2]، وقال: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرِ} [سبأ: 1]، وقال تعالى: {الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنَحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} [فاطر: 1]، وقال: {وَهُوَ اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِى الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70]، وقال: {هُوَ الْحَي لا إلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 65]، وقال: {فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِى السّمَوَاتِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير