تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17 - 18] ". اهـ

ص155.

فمادة الحمد من المواد التي تكرر ذكرها في الكتاب العزيز، بل ذلك من غايات التنزيل الرئيسة، فما بعث الرسل، عليهم السلام، إلا بتقرير ما فطر الناس عليه من وجوب وجود خالق، رازق، مدبر، علي الذات والشأن، قادر قاهر، لا يغلبه غيره بل هو الغالب لكل ما سواه من الكائنات ...... إلخ، فذلك من الوجوب العقلي الذي يجده كل منا في نفسه، ضرورة علمية لا يمكن دفعها، فهي من جملة العلوم الضرورية التي يستدل بها، ولا يستدل لها، فيستدل بالضرورة التي يجدها كل مكلف في نفسه، فهو يعلم بداهة أولى: وجوب وجود رب مدبر لكل الكائنات، ولا يكون من هذا شأنه، إلا كامل الذات والصفات، بداهة ثانية، فيحيط بخلقه علما ومشيئة ورحمة، فيستدل بهذه البدهيات الضرورية على وجوب إفراده، جل وعلا، بالألوهية والعبودية: نية باطنة، وعملا ظاهرا، تصورا خاصا على مستوى الأفراد بإفراده، جل وعلا، بأوصاف الثناء المطلق، فليس كمثله شيء في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا، فهو حجر الزاوية في بنيان الإيمان، فمبدؤه تصور علمي صحيح للرب، جل وعلا، ليثبت في العقل الصريح وجوب إفراده، جل وعلا، بالألوهية، فلن يقوم البناء الإيماني في نفس المكلف إلا بالتصور العلمي الأول، فإذا أحسن الظن بربه، جل وعلا، بوصفه بأوصاف الكمال وتنزيهه عن أوصاف النقصان ولا يكون ذلك على جهة البيان، إلا من مشكاة النبوات، التي جاءت بما يواطئ قياس العقول الصريحة وطرائق الفطر المستقيمة التي تدرك، كما تقدم، بداهة، وجوب اتصافه، جل وعلا، فلا ينقض ناموس النبوة ناموس العقل الصريح، إلا إن كانت النبوة محرفة فجوزت اتصاف الرب، جل وعلا، بالنقص المطلق، كما قد وقع في نبوة موسى وعيسى عليهما السلام، فهما مما قد وقع في كتابيهما من التحريف والتبديل براء، فما بعثا إلا بتقرير ما قد تواطأت النبوة على تقريره من وجوب اتصافه، جل وعلا، بالكمال المطلق، ووجوب إفراده بالألوهية، كما تقدم في مواضع سابقة من قوله تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، فما كانوا إلا ربانيين، وما أمروا غيرهم إلا بهذا، فذلك من تمام نصحهم لأممهم، فالأنبياء، عليهم السلام، أعلم وأفصح وأنصح الخلق للخلق، فإذا أحسن الظن بربه، جل وعلا، أحسن القول والعمل لزوما فاكتمل البناء الإيماني بعلم الجنان الباطن، وما يواطئه لزوما لا انفكاك فيه، من قول اللسان وعمل الأركان، فالإيمان مركب ثلاثي العناصر: علمي باطن، وقولي ناطق، وعملي ظاهر، فلا انفكاك بينها إلا في الأذهان، فالذهن قد يجرد أحدها عن الآخرين، فيجرد علما بلا عمل، أو عملا بلا علم .... إلخ، ولكن الواقع في الخارج يباين ذلك، فلا انفكاك، كما تقدم مرارا، بين الظاهر والباطن، فتلك من المسلمات الإيمانية، بل والشعورية الضرورية التي يجدها كل مكلف في نفسه، فلا تصدر منه حركة ظاهرة من: قول أو عمل إلا تأويلا لحركة قلبية باطنة، فأول العمل: علم، فهم، فإرادة جازمة يكون بها القول أو الفعل لزوما إن صحت آلات النطق والعمل، فإذا صح هذا التصور لمعنى الإيمان في نفوس الأفراد، انضم إلى التصور العام على مستوى الجماعات، فإن الجماعة التي تحسن الثناء على ربها، جل وعلا، بما هو له أهل، فتعظمه بأوصاف الكمال، وتقدسه عن كل نقصان، فهي قد بلغت مرتبة المراقبة لأمره ونهيه، فأقامت في نفسها حكمه الذي أرسل به رسله عليهم السلام، فلم تجد في نفسها حرجا من قضائه، كما يجده كثير من الزنادقة في كل عصر ومصر، فليس الدين عندها: وجدانيا لا أثر له في الحياة، بل له من السلطان على الأحوال والأقوال والأفعال ما يدل يقينا على كمال المعرفة بمحامده، جل وعلا، فيكون

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير