تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 05 - 2010, 08:02 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وتفصيل هذه الحكمة مما لا سبيل للعقول البشرية إلى الإحاطة به ولا إلى التعبير عنه، ولكن بالجملة فكل صفة عليا واسم حسن وثناءٍ جميل وكل حمد ومدح وتسبيح وتنزيه وتقديس وجلال وإكرام فهو لله عز وجل على أكمل الوجوه وأتمها وأدومها، وجميع ما يوصف به ويذكر به ويخبر عنه فهو محامد له وثناءٌ وتسبيح وتقديس، فسبحانه وبحمده لا يحصى أحد من خلقه ثناءً عليه بل هو كما أثنى على نفسه وفوق ما يثنى عليه خلقه، فله الحمد أولاً وآخراً حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغى لكرم وجهه وعز جلاله ورفيع مجده وعلو جده". اهـ

ص156.

فلا سبيل للعقل المحدود إلى إدراك حكمة الرب، جل وعلا، على جهة الإحاطة، فحسبه، إن كان مسددا مستضيئا بنور الوحي الهادي، أن يدرك طرفا منها، فكثير من الأقدار الكونية لا يظهر الخير الكامن فيها لحظة انبعاث الشر الطارئ عليها، فيكون الشر وصفها لا وصف مقدرها في الغيب ومجريها في الشهادة، عز وجل، وإجمال القول في ذلك: أن له، عز وجل، ما علمنا وما لم نعلم من أوصاف الكمال الذاتي والفعلي، فذاته أقدس الذوات، وأسماؤه أحسن الأسماء، وصفاته أكمل الصفات، وأفعاله أحكم الأفعال، فله الحمد الذاتي اللازم للزوم أوصاف الكمال الذاتية لذاته، وله كمال الحمد المتعدي إلى غيره بما يظهر من آثار أوصاف جماله من نعم وآلاء، بها يظهر فضله، جل وعلا، وآثار أوصاف جلاله من نقم وعقوبات كونية مقدرة بها يظهر عدله، جل وعلا، فحمده كما يقول ابن القيم رحمه الله:

"حمد الصفات والأسماء. والنوع الثانى: حمد النعم والآلاءِ، وهذا مشهود للخليقة برها وفاجرها مؤمنها وكافرها، من جزيل مواهبه وسعة عطاياه وكريم أياديه وجميل صنائعه وحسن معاملته لعباده وسعة رحمته لهم وبره ولطفه وحنانه وإجابته لدعوات المضطرين وكشف كربات المكروبين وإغاثة الملهوفين ورحمته للعالمين وابتدائه بالنعم قبل السؤال ومن غير استحقاق بل ابتداءً منه بمجرد فضله وكرمه وإحسانه ودفع المحن والبلايا بعد انعقاد أسبابها وصرفها بعد وقوعها". اهـ

ص156.

فحمد النعم والآلاء: حمد عام، من جهة الكون، فآلاؤه الكونية: عامة قد ظهرت آثارها في كل الخلائق، فلكل منها نصيب، حتى الجامد الأصم، فالرب، جل وعلا، قد أوجده، والإيجاد، في حد ذاته، منة أي منة!، فلا يستوي المعدوم والموجود، فالثاني أشرف، وإن لم تكن ثم فيه حياة ظاهرة، فكيف وفيه حياة لا ندرك آثارها، وله من الوظائف الشريفة ما قصر فيه كثير من البشر المكلفين على جهة الاختيار، فـ: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا).

وأما حمد الهداية الخاصة في الأولى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، وفي الآخرة: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)، فهو أشرف أنواع الحمد فصاحبه قد وفق إلى حمد الرب، جل وعلا، بمقتضى أسمائه وصفاته، فلم ينته إلى آثار صفات جماله في الكون المشهود من النعم الدنيوية، فتلك، كما تقدم، مرتبة يشترك فيها عموم الخلق، وإنما اختص بقدر زائد من الحمد هو حمده، جل وعلا، على نعمه الدينية، ولازم ذلك تعظيمه بأحسن الأسماء وأكمل الأوصاف، فذلك: حمد الصفات والأسماء، ولا يكون ذلك، بداهة، إلا بتوقيف من الشارع الحكيم، عز وجل، فذلك من الخبر الذي لا يستقل العقل بإدراك بيانه، وإن أحاط به على جهة الإجمال، فلا يتلقى بيانه إلا بخبر الوحي، ولا يكون ذلك بداهة إلا من طريق النبوة، فهي، كما تقدم مرارا، أعظم النعم الدينية فبها ينتظم المعاش برسم: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ)، و: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، فتلك السعادة المعجلة في دار

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير