تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فأنعم عليهم بالعلم النافع فلا أنفع للمكلف في دينه ودنياه من التعرف على ربه، جل وعلا، بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وأنعم عليهم بالعمل الصالح فأمرهم رحمة ونهاهم شفقة، فما أمر إلا بما فيه صلاح الدين والدنيا، وما نهى إلا صيانة للقلوب والأبدان، فما من معصية إلا ولها أثر في القلب فـ: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} "، وشؤم في البدن، فإن: "إن للحسنة نورا في القلب وزينا في الوجه وقوة في البدن وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة ظلمة في القلب وشينا في الوجه ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق"، وهو عند أبي نعيم، رحمه الله، من حديث أنس، رضي الله عنه، موقوفا: "وجدت الحسنة نورا في القلب، وزينا في الوجه، وقوة في العمل، ووجدت الخطيئة سوادا في القلب، ووهنا في العمل، وشينا في الوجه"، فالمعصية مظنة الفساد العاجل والآجل، فشؤم في الدنيا بحرمان التوفيق، وشؤم أعظم في الآخرة بحرمان النعيم، ولو على سبيل التأقيت، فأي مصيبة تلك التي يحرم فيها العبد دخول دار النعيم ابتداء، فكيف إن كان له حظ من العذاب، ولو مؤقتا، وكيف لو كان كافرا أو منافقا مخلدا في نار السموم؟!.

وأمره ونهيه جار على مقتضى قياس العقل الصريح، فلا يأمر إلا بالحسن، ولا ينهى إلا عن القبيح، فالحسن والقبح الشرعي قد جاء مواطئا للحسن والقبح العقلي الذي يستند إلى قياس العقل الصريح الذي لا يعارض خبر النبوة الصحيح على ما اطرد مرارا من التوافق التام بين النقل الصحيح والعقل الصريح، ففي العقل قوة التحسين والتقبيح إدراكا، وليس له التحسين والتقبيح شرعا، فذلك منصب النبوة التي يخضع لها العقل، فهو التابع المقلد لخبر الوحي، فلا نجاة إلا بالاعتصام بالتنزيل، فهو: (حبل الله)، فـ: (اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا)، فذلك من خطاب المواجهة لمن نزل عليه الوحي، وخطاب المتابعة لمن آمن به واقتفى آثار رسالته، فهي معدن الخير والفلاح فقولوا: "لا إله إلا الله فأشهد بها لكم عند ربكم وتدين لكم العرب وتذل لكم بها العجم"، فملك الدنيا، وجنة الآخرة، فـ: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).

وليس له، جل وعلا، حاجة إليهم، فما خلق ليُطْعَم أو يُرْزَق، وإنما خلق ليُطْعِم ويَرْزُق، فأمره ونهيه من إحسانه إلى خلقه، فهو العليم بأحوالهم، فالخالق أعلم بخلقه، والصانع خبير بدقائق صنعته، فـ: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، وهو الحكيم، جل وعلا، فشرع لهم ما يصلح أحوالهم ظاهرا وباطنا، فلا يحكم شرع في قلب أو بدن إلا أصلحه، فآثار الوحي عليه بادية، فما: "ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه"، فلسان مقال ابن سلام، رضي الله عنه، لما رأى صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ"، ولسان دعاء المؤمن: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي لِسَانِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَمِنْ فَوْقِي نُورًا وَمِنْ تَحْتِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ شِمَالِي نُورًا وَمِنْ بَيْنِ يَدَيَّ نُورًا وَمِنْ خَلْفِي نُورًا وَاجْعَلْ فِي نَفْسِي نُورًا وَأَعْظِمْ لِي نُورًا"، ولسان حاله في يوم الفصل: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ)، فالوحي يورث القلب رسوخا ويقينا، فيخشع الظاهر فـ: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير