تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول ابن القيم رحمه الله:

" ........ {وَإِذَا قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوَاْ إِلاّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ أَفَتَتّخِذُونَهُ وَذُرّيّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف: 50].

فتحت هذا الخطاب: إنى عاديت إبليس وطردته من سمائي وباعدته من قربي إذ لم يسجد لأبيكم آدم، ثم أنتم يا بنيه توالونه وذريته من دوني وهم أعداءٌ لكم.

فليتأمل اللبيب مواقع هذا الخطاب وشدة لصوقه بالقلوب والتباسه بالأرواح وأكثر القرآن جاء على هذا النمط من خطابه لعباده بالتودد والتحنن واللطف والنصيحة البالغة، وأعلم سبحانه عباده أنه لا يرضى لهم إلا أكرم الوسائل وأفضل المنازل وأجل العلوم والمعارف.

قال تعالى: {إِن تَكْفُرُواْ فَإِنّ اللّهَ غَنِي عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىَ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]، وقال تعالى: {الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3]، وقال: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وقال: {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} [النساء: 26 - 28] ". اهـ

ص158.

فذلك من عظم تودده، عز وجل، إلى عباده، فالودود كما يقول البقاعي رحمه الله: "الذي يفعل بمن أراد فعل المحب الكثير المحبة فيجيبه إلى ما شاء ويلقي على صاحب الذنب الذي محاه عنه وداً أي محبة كبيرة واسعة ويجعل له في قلوب الخلق رحمة، ومادة «ود» تدور على الاتساع"، فيتودد إليهم مع ما تقدم مرارا، من عظم استغنائه عنهم، فالقياس البشري: ألا يعيرهم اهتماما، فلا حاجة له عندهم، ولكن قياس فعل الله، عز وجل، الكامل على فعل العبد الناقص: قياس فاسد الاعتبار لوجود الفارق، وأي فارق!، بين الغني على جهة اللزوم، والفقير على جهة اللزوم، فإن صح تبادل المنافع بين البشر، فذلك لما ركز في نفوسهم من الحاجة والنقص الذاتي، فلا يستغني من هذا حاله عمن يكمل نقصه، وهذا أمر ظاهر في سنة الزوجية، التي تنزه عنها رب البرية، جل وعلا، من هذا الوجه، فالزوج يفتقر إلى زوجه ليكتمل بناؤه النفسي، وذلك معنى منتف في حق الله، عز وجل، بداهة، فإذا جاز هذا التبادل بين العباد، فهو بين رب العباد، جل وعلا، وبينهم: محال، فليس كل ما صح في حق الرب، جل وعلا، يصح في حق العبد، وليس كل ما صح في حق العبد يصح في حق الرب، جل وعلا، والشاهد، أنه، جل وعلا، قد انتصر لآدم وقبيله من إبليس وذريته، فطرد إبليس ولعنه لما أبى تكريم آدم بالسجود له، فغار الرب، جل وعلا، لخلق يديه، وقضى كونا بإرسال إبليس وجنده الجني والإنسي على عباده فتنة وابتلاء، ليتمحض معدن آدم، فكير الابتلاء بالوساوس الشيطانية ينصح الجبلة البشرية، فينتفي خبثها بالتوبة والاستغفار، وتزداد مع ذلك رفعة درجة عند الرب، جل وعلا، فما كانت لتبلغها لولا أن عصت فمن عليها تبارك وتعالى بتوبة نصوح، فعملت لها من الأعمال الصالحة ما لم تكن لتعمله لولا أن أذنبت، فإن الذنب يورث صاحبه إنكسارا أحب إلى الرب، جل وعلا، من عجب وصولة الطائع.

والرب، جل وعلا، لا يرضى لخلقه إلا المنزلة العالية والدرجة الرفيعة، فلا يرضى لهم الكفر، و: "إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا وَرَضِيَ لَكُمْ ثَلَاثًا رَضِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَأَنْ تَنْصَحُوا لِوُلَاةِ الْأَمْرِ وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ"، فلا يصلح لجواره إلا أصحاب الإرادات الشريفة والهمم السامية، وإن عظمت المشقة والنفقة فـ:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير