تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 05 - 2010, 07:40 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"ومن [المتعين] على من لم يباشر قلبه حلاوة هذا الخطاب وجلالته ولطف موقعه، وجذبه للقلوب والأرواح ومخالطته لها أن يعالج قلبه بالتقوى، وأن يستفرغ منه المواد الفاسدة التى حالت بينه وبين حظه من ذلك، ويتعرض إلى الأسباب التى يناله بها، من صدق الرغبة واللجإِ إلى الله أن يحيى قلبه ويزكيه ويجعل فيه الإيمان والحكمة، فالقلب الميت لا يذوق طعم الإيمان ولا يجد حلاوته ولا يتمتع بالحياة الطيبة لا فى الدنيا ولا فى الآخرة ومن أَراد مطالعة أُصول النعم فليسم سرح الذكر فى رياض القرآن، وليتأمل ما عدد الله فيه من نعمه وتعرف بها إلى عباده من أول القرآن إلى آخره حين خلق أهل النار وابتلاهم بإبليس وحزبه وتسليط أعدائهم عليهم وامتحانهم بالشهوات والإرادات والهوى لتعظم النعمة عليهم بمخالفتها ومحاربتها". اهـ

ص160.

فلا يبلغ أحد هذه المرتبة العلية بإدراك واستحضار محامد الرب، جل وعلا، إلا المسددون، لا سيما في أزمنة المحن فلا تخلو لمن سدد نظره من منح فيحمد جل وعلا على قدره الكوني فذلك حمد المكروه الذي لا يكون إلا للرب جل وعلا، ويحمد على عطائه فلم يخل محنة من منحة، ولم يخل بلية من عطية، قد يدق وجهها فلا تدركه إلا عقول المسددين، فقلوب أهل الإيمان التي استغنت بجمال وجلال وصف الرب، جل وعلا، فهي بها غانية، في سعة من العيش، فزادها آي الكتاب العزيز، وفيه من وصف الرب ذي الجلال والإكرام ما يسد كل فاقة، ويفرج كل كربة أو ضائقة، وأما قلوب غيرهم فهي فقيرة تحيى الضنك، فلا حظ لها من سعة الدنيا أو الآخرة، وإن كان لأبدان أصحابها حظ من النعيم الظاهر، فذلك قدر ضئيل لا تمتنع فيه الشراكة، فالمؤمن والكافر فيه سواء، بل المؤمن، عند التدبر والنظر، أسعد حالا من الكافر، فإن أي لذة ظاهرة إن لم تكن النفس مطمئنة هانئة، لا تغني عن صاحبها شيئا، فعيشه نكد، وإن ظهرت عليه أمارات اللذة العارضة، فسعادة مشوبة بالكدر، ولذة يعقبها الألم والندم، فجملة المنغصات تكدر صفو المنعمين والمتنعمات إن لم يكونوا على طريقة النبوات، فمن وجد في قلبه فاقة فليسدها بالتنزيل، فإنه خير زاد في سفرالهجرة إلى الله، عز وجل، عبادة، وإلى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم متابعة.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فلله على أوليائه وعباده أتم نعمة وأكملها فى كل ما خلقه من محبوب ومكروه، ونعمة ومحنة وفى كل ما أحدثه فى الأرض من وقائعه بأعدائه وإكرامه لأوليائه، وفى كل ما قضاه وقدره، وتفصيل ذلك لا تفي به أقلام الدنيا وأوراقها ولا قوى العباد، وإنما هو التنبيه والإشارة". اهـ

ص160.

فله، جل وعلا، النعم الظاهرة والباطنة، فهي من السبوغ وصفا والكثرة قدرا بمكان، فلا يطيق عقل إحصاءها، ولا حساب عدها، فنعم كونيات عامة، ونعم شرعيات خاصة، ونعم في نقم، ظاهرها العذاب والألم، وباطنها الرحمة واللذة، وتلك لا تكون إلا لأصحاب النفوس الكبيرة، التي ألفت الصبر فهو غذاؤها المريء في أزمنة الشدة، وليس ذلك مما يناله المغتذي بالكلام، وإنما الأصل فيه: سؤال الرب، جل وعلا، العافية، فلا يعدل بعطائها عطاء، فهي مظنة فراغ النفس مما يشغلها بل يذهلها من العوارض والصوارف الكونية، وما أكثرها في الأعصار المتأخرة، فإذا فرغ العاقل فلينصب، فذلك تأويل الأمر في قوله تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ)، فذلك حال المسددين في أزمنة الرخاء والهدنة، فإن جاءت الشدة ونقضت الهدنة، فلا مناص من اللجوء إلى الرب، جل وعلا، برسم: "اللهم مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ"، ليصرف قلبه على طريقة الثبات في أحوال تذهل فيها العقول وتزلزل فيها النفوس وتسوء فيها الظنون فلا يصمد لها إلا المسددون، فتكون الشدة في حقهم رخاء سخاء بما يحصل لهم من الثواب، فعبادات الشدة مئنة من الإخلاص، والإخلاص مادة صلاح أي عمل، وهو كالصبر، عزيز، لا تناله إلا النفوس الكبيرة، فقد جبلت على طلب المعالي، ويسرت لها أسباب تحصيل الفضائل، فتأنف من الدنايا ولا ترضى بالنقائص، وكل ميسر لما خلق له، فـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير