تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

على قدر أهل العزم تأتي العزائم ******* وتأتي على قدر الكرام المكارم

يقول ابن القيم رحمه الله:

"ومن استقرئ الأسماء الحسنى وجدها مدائح وثناءً تقصر بلاغات الواصفين عن بلوغ كنهها، وتعجز الأوهام عن الإحاطة بالواحد منها ومع ذلك فلله سبحانه محامد ومدائح وأنواع من الثناء لم تتحرك بها الخواطر ولا هجست فى الضمائر ولا لاحت لمتوسم ولا سنحت فى فكر.

ففى دعاء أعرف الخلق بربه تعالى وأعلمهم بأسمائه وصفاته ومحامده: "أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِى كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أوْ اسْتأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ أَن تَجْعَلَ الْقُرْآن رَبِيع قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي وَغَمِّي".

وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة لما يسجد بين يدي ربه قال: "فَيَفْتَحُ علي مَنْ مَحَامِدهِ بِشَيءٍ لا أُحْسِنُهُ الآن وكان يقول فى سجوده: أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لا أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِكِ"، فلا يحصي أَحد من خلقه ثناءً عليه ألبتة، وله أسماءٌ وأوصاف وحمد وثناءٌ لا يعلمه ملك مقرب ولا نبى مرسل، ونسبة ما يعلم العباد من ذلك إلى ما لا يعلمونه كنقرة عصفور في بحر". اهـ

ص160، 161.

فتعرف إلينا الرب، جل وعلا، بما تطيقه عقولنا من كمالاته الذاتية والوصفية والفعلية، وحجب عنا ما لا تطيقه، فمن ذا الذي يطيق إحاطة بوصف الرب جل وعلا.

فلا نعلم إلا ما علمنا، وإذا كان لسان مقاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ"، فكيف بحال من جاء بعده، وإن كان أوسع الناس علما وأعظمهم تقى؟!.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فإن قيل: فكيف تصنعون بما يشاهد من أَنواع الابتلاءِ والامتحان والآلام للأَطفال والحيوانات ومن هو خارج عن التكليف ومن لا ثواب ولا عقاب عليه؟ وما تقولون في الأَسماءِ الدالة على ذلك من المنتقم والقابض والخافض ونحوها؟ قيل: قد تقدم من الكلام في ذلك ما يكفي بعضه لذي الفطرة السليمة والعقل المستقيم وأَما من فسدت فطرته وانتكس قلبه وضعفت بصيرة عقله فلو ضرب له من الأَمثال ما ضرب فإِنه لا يزيده إِلا عمى وتحيراً ونحن نزيد ما تقدم إيضاحاً وبياناً إِذ بسط هذا المقام أَولى من اختصاره فنقول: قد علمت أن جميع أسماء الرب سبحانه حسنى وصفاته كمال وأفعاله حكمة ومصلحة، وله كل ثناءٍ وكل حمد ومدحه وكل خير فمنه وله وبيده، والشر ليس إليه بوجه من الوجوه. لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في أسمائه، وإن كان في مفعولاته فهو خير بإضافته إليه وشر بإضافته إلى من صدر عنه ووقع به. فتمسك بهذا الأصل ولا تفارقه فى كل دقيق وجليل، وحكمه على كل ما يرد عليك، وحاكم إليه واجعله آخرتك التى ترجع إليها وتعتمد عليها". اهـ

ص161.

فذلك من شؤم قياس فعل الرب، جل وعلا، على فعل العبد، فيرى صاحب هذا القياس الفاسد، فعل الرب، جل وعلا، في عباده بصفات الجلال، يراه من جنس فعل العبد بالظلم لغيره، فابتلاء الرب، جل وعلا، بصنوف الآلام، وظهور آثار صفات جلاله، ليس من جنس إفساد العباد بالظلم، فإن الرب، جل وعلا، الغني على جهة الإطلاق، فانتفاء الظلم في حقه واجب، فيأمن العبد ظلمه، وإن لم يأمن مكره، وأما العبد فهو على الضد: فقير فقرا ملازما لذاته، فالظلم فيه سجية: (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)، فيظلم غيره بإيصال الضر إليه على جهة الإفساد، لافتقاره إلى ما عنده من مال أو متاع، فالرب، جل وعلا، يبتلي بالألم ليذكر ويمحص ويرفع درجة المبتلى إن كان صالحا، ويهلك الظالم فيشغله بنفسه ويري من ظلمه فيه آية واعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وكم توجع طغاة بعد أن زأروا متوعدين!، فكان توجعهم عاجل البشرى بالعذاب الأليم!، فكيف صح في الأذهان قياس خلق الرب، جل وعلا، للشر بإرادته الكونية النافذة، لما يتولد منه من الخير الآجل، فذلك تأويل حكمته، جل وعلا، كيف يقاس ذلك على فعل العبد للشر مخالفة للإرادة الشرعية الحاكمة، فذلك من الفساد بمكان، بل هو عين الإفساد بمخالفة ناموس

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير