تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

شريعة العدل والإصلاح.

فالشر ليس لله، عز وجل، فعلا، وإن كان له خلقا، فهو في المقدور لا في القدر، فيراد لغيره، فليس مرادا لذاته، فبه يتولد خير يفوق مفسدة وقوعه، وذلك، كما تقدم، مئنة من حكمة الرب جل وعلا.

والأمر كما يقول ابن القيم، رحمه الله، دائر بين الفضل بإظهار آثار أوصاف جماله في أوليائه، والعدل بإظهار أوصاف جلاله في أعدائه.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"واعلم أن لله خصائص فى خلقه ورحمة وفضلاً يختص به من يشاءُ، وذلك موجب ربوبيته وإلهيته وحمده وحكمته، فإياك ثم إياك أَن تصغي إلى وسوسة شياطين الإنس والجن والنفس الجاهلة الظالمة أنه: هلا سوَّى بين عباده فى تلك الخصائص وقسمها بينهم على السواءِ، فإن هذا عين الجهل والسفه من المعترض به، وقد بينا فيما تقدم أن حكمته تأْبى ذلك وتمنع منه. ولكن اعلم أن الأمر قسمة بين فضله وعدله، فيختص برحمته من يشاء ُ ويقصد بعذابه من يشاءُ وهو المحمود على هذا، فالطيبون من خلقه مخصوصون بفضله ورحمته، والخبيثون مقصودون بعذابه، ولكل واحد قسطه من الحكمة والابتلاءِ والامتحان، وكل مستعمل فيما هو له مهيأَ وله مخلوق، وكل ذلك خير ونفع ورحمة للمؤمنين فإنه تعالى خلقهم للخيرات فهم لها عاملون، واستعملهم فيها فلم يدركوا ذلك إلا به ولا استحقوه إلا بما سبق لهم من مشيئته وقسمته". اهـ

ص161، 162.

فالأمر ليس على طريقة أهل العدل في زماننا، الذين ضلوا في معنى العدل فقالوا بالتسوية المطلقة من كل وجه برسم المساواة، وإن اختلفت الأوصاف والخصائص، على طريقة دعاة التسوية بين الجنسين، بمنح كل خصائص الآخر، فلا تعرف ذكرا من أنثى، فكلهم سواء!، وذلك تسوية بين ما فرق الرب، جل وعلا، كونا، فليست خلقة الذكر وخصائصه الجسدية والنفسانية، كخلقة الأنثى وخصائصها الجسدية والنفسانية، وشرعا، فالأصل في التكليف التسوية إلا ما اختص به كل جنس من الأحكام، فالتباين كائن في أحكام انفرد بها كل جنس، كالجهاد والنفقة للرجال، وأحكام الحيض والولادة والنفاس والرضاع ... إلخ للنساء، وفي أحكام اشتركا فيها مع وقوع التباين في حظ كل منها كأحكام المواريث، فالتباين في التشريع فرع عن التباين في التكوين، فمن آمن بالرب، جل وعلا، ربا خالقا، قد خلق كل جنس على نحو يلائم ما اختص به من الوظائف الكونية والشرعية، آمن به ربا مشرعا يشرع لكل جنس ما يلائمه من الأحكام، فهو العليم الخبير بأحوال عباده وما يصلح به حالهم من الأحكام، فتكوينه وتشريعه فرع عن علمه الأول بالكائنات، فالتسليم لحكم الشرع في هذا الباب: مئنة من كمال علم العبد بوصف الرب الخالق الحكيم، فخلق الجنسين بقدرته، وصور كلا على هيئة تخصه، وشرع له من الأحكام ما يلائمه، فذلك مئنة من حكمته البالغة جل وعلا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 05 - 2010, 12:07 م]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فكذلك لا تضرهم الأدواءُ ولا السموم، بل متى وسوس لهم العدو واغتالهم بشيء من كيده أو مسهم بشيء من طيفه تذكروا فإذا هم مبصرون، وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون وإذا وقعوا في معصية صغيرة أو كبيرة عاد ذلك عليهم رحمة وانقلب فى حقهم دواء وبدل حسنة بالتوبة النصوح والحسنات الماحية، لأنه سبحانه عرفهم بنفسه وبفضله وبأن قلوبهم بيده وعصمتهم إليه حيث نقض عزماتهم وقد عزموا أن لا يعصوه، وأراهم عزته فى قضائه، وبره وإحسانه فى عفوه ومغفرته، وأشهدهم نفوسهم وما فيها من النقص والظلم والجهل، وأشدهم حاجتهم إليه وافتقارهم وذلهم، وأنه إن لم يعف عنهم ويغفر لهم فليس لهم سبيل إلى النجاة أبداً". اهـ

ص162.

فذلك من تمام عنايته، عز وجل، بعباده المؤمنين، فيحفظهم من نوازع الشر وخواطر السوء، فإذا وقعوا في المعصية بمقتضى ما قدر من الأزل، فذلك مئنة من كمال قدرته، انقلبت المحنة بالمعصية في حقهم منحة، فاستغفروا وأحدثوا من الطاعات ما يفوق جرم المعصية، فصارت الحكمة باعتبار المآل: وقوع المعصية، وإن لم تكن مرادة شرعا، فذلك من كمال حكمته، عز وجل، أن أخرج من الشر خيرا، فجعل مساخطه معدن مراضيه بالتوبة منها والندم على اقترافها، وانكسار القلب بين يديه، فذلك كما تقدم في أكثر من موضع، أحب إلى الرب، جل وعلا،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير