تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ"، فليس ذلك بمسوغ للوقوع في الذنب وإنما هو أمان لمن تاب وأناب بصدق فليس بلاعب بتوبة قد بيت النية على نقضها!، فلم يشرك معه غيره في هذا الوصف الذي اختص به الرب، جل وعلا، فلا يغفر الذنوب إلا هو، فليس ثم وسيط أرضي يغفر إذا اعترف المذنب أمامه، فتلك فضيحة لا يرضاها الرب، جل وعلا، لعباده فـ: "مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ"، وفي إسناده انقطاع، وهو عند الحاكم، رحمه الله، في مستدركه من حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، مرفوعا: "اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها فمن ألم فليستتر بستر الله وليتب إلى الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله عز وجل"، فلا يكون بوح بالذنب إلا لمن يقدر على غفرانه، كما لا يكون بوح بالحزن الذي تضيق به النفوس إلا لمن يؤمن جانبه فليس بشامت أو متشف، فالأصل: التجلد لمن أقدره الرب، جل وعلا، عليه، فلسان حال صاحبه:

و تجلدي للشامتين أريهم ******* أني لريب الدهر لا أتضعضع

فمن لم يستطع، فهو لا بد بائح، فليكن بوحه لقريب أو خليل لا تخشى غوائله، وما أقل هذا الصنف في زماننا، فلا يسع العباد بعلمه، وسمعه، فهو المجيب لمن دعاه بشرح الصدور وتفريج الكروب، ورحمته، فهو أرحم بالعبد من نفسه، لا يسعهم إلا من خلقهم تبارك وتعالى، فـ: (إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، فله سعة الذات عظمة فلا تماثلها ذات، وسعة الصفات كمالا فلا تماثلها صفات، فليس كمثله شيء وهو السميع البصير، و: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا)، فذلك من سعة وصفه، جل وعلا، فوسع العباد برحماته الكونيات العامة فبها قيام المخلوقات فهو القيوم المقيم لها بأسباب الإيجاد والإبقاء، ورحماته الشرعيات الخاصة، والنبوة، كما تقدم مرارا، أعظمها وصفا وقدرا، فلا يحظى بها، والضمير راجع على الرحمات الشرعيات لا النبوات فهي منصب لا كسب فيه بل لا ينال إلا بالاصطفاء، لا يحظى بها إلا الصابرون الموقنون، فتلك هي الذرائع إلى الإمامة في الدين: إمامة نبوة فتلك لا تنال بكسب أو فتوة، وإمامة علم، فتلك إمامة: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، فيرون ما لا يرى غيرهم من أصحاب الجهالات البسيطة والمركبة، لا سيما إن اقترنت بالجحود والتعصب، فلا عذر لأصحابها، وإمامة عمل، فـ: (قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فتضرعوا إليه حينئذ بالدعاء وتوسلوا إليه بذل العبيد وعز الربوبية فتعرف سبحانه إليهم بحسن إجابته وجميل عطفه وحسن امتنانه فى أن ألهمهم دعاءه ويسرهم للتوبة والإنابة وأقبلوا بقلوبهم إليه بعد إعراضها عنه، ولم تمنعه معاصيهم وجناياتهم من عطفه عليهم وبره لهم وإحسانه إليهم فتاب عليهم قبل أن يتوبوا إليه، وأعطاهم قبل أن يسألوه فلما تابوا إليه واستغفروه وأنابوا إليه تعرف إليهم تعرفاً آخر: فعرفهم رحمته وحسن عائدته وسعة مغفرته وكريم عفوه وجميل صفحه وبره وامتنانه وكرمه وشرعه، ومبادرته قبولهم بعد أن كان منهم ما كان من طول الشرور وشدة النفور والإيضاع فى طرق معاصيه، وأشهدهم مع ذلك حمده العظيم وبره العميم، وكرمه فى أن خلى بينهم وبين المعصية فنالوها بنعمته وإعانته، ثم لم يخل بينهم وبين ما توجبه من الإهلاك والفساد الذى لا يرجى معه صلاح، بل تداركهم بالدواء الشافي فاستخرج منهم داء لو استمر معهم لأفضى إلى الهلاك، ثم تداركهم بروح الرجاء فقذفه فى قلوبهم وأخبر أنه عند ظنونهم به". اهـ

ص162.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير