واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير مثل ما ورد في قصة يوسف في البقرات السمان وفي منامي صاحبي السجن وفي رؤياه الشمس والقمر والنجوم ساجدة، وسموه تعبير الرؤيا، واستنبطوا تفسير كل رؤيا من الكتاب، فإن عز عليهم إخراجها منه فمن السنة التي هي شارحة للكتاب، فإن عسر فمن الحكم والأمثال.
ثم نظروا إلى اصطلاح العوام في مخاطباتهم وعرف عادتهم الذي أشار إليه القرآن بقوله: (وأمر بالمعروف).
وأخذ قوم مما في آية المواريث من ذكر السهام وأربابها وغير ذلك علم الفرائض، واستنبطوا منها من ذكر النصف والثلث والربع والسدس والثمن حساب الفرائض ومسائل العول، واستخرجوا منه أحكام الوصايا.
ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالات على الحكم الباهرة في الليل والنهار والشمس والقمر ومنازله والنجوم والبروج وغير ذلك فاستخرجوا منه علم المواقيت.
ونظر الكتاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ وبديع النظم وحسن السياق والمبادي والمقاطع والمخالص والتلوين في الخطاب والإطناب والإيجاز وغير ذلك واستنبطوا منه المعاني والبيان والبدي.
ونظر فيه أرباب الإشارات وأصحاب الحقيقة فلاح لهم من ألفاظه معان ودقائق جعلوا لها أعلاماً اصطلحوا عليها مثل الفناء والبقاء والحضور والخوف والهيبة والأنس والوحشة والقبض والبسط وما أشبه ذلك هذه الفنون التي أخذتها الملة الإسلامية منه، (مع التحفظ على ما في تلك الكلمات من إجمال يفتقر إلى البيان الشرعي إذ توصل بها من توصل إلى الخروج عن ناموس الشريعة الظاهرة بحجة بلوغ الحقيقة الباطنة).
وقد احتوى على علوم أخرى من علوم الأوائل مثل الطب والجدل والهيئة والهندسة والجبر والمقابلة والنجامة وغير ذلك.
أما الطب فمداره على حفظ نظام الصحة واستحكام القوة، وذلك إنما يكون باعتدال المزاج بتفاعل الكيفيات المتضادة، وقد جمع ذلك في آية واحدة وهي قوله تعالى: (وكان بين ذلك قواماً) وعرفنا فيه بما يفيد نظام الصحة بعد اختلاله وحدوث الشفاء للبدن بعد اعتلاله في قوله تعالى: (شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) ثم زاد على طب الأجسام بطب القلوب وشفاء الصدور.
وأما الهيئة ففي تضاعيف سوره من الآيات التي ذكر فيها ملكوت السموات والأرض وما بث في العالم العلوي والسفلي من المخلوقات. وأما الهندسة ففي قوله: (انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب) الآية.
وأما الجدل فقد حوت آياته من البراهين والمقدمات والنتائج والقول بالموجب والمعارضة وغير ذلك شيئاً كثيراً، ومناظرة إبراهيم نمروذ ومحاجته قومه أصل في ذلك عظيم.
وأما الجبر والمقابلة فقد قيل إن أوائل السور فيها ذكر مدد وأعوام وأيام لتواريخ أمم سالفة وأن فيها تاريخ بقاء هذه الأمة وتاريخ مدة أيام الدنيا وما مضى وما بقى مضروب بعضها في بعض.
وأما النجامة ففي قوله: (أو أثارة من علم) فقد فسره بذلك ابن عباس.
وفيه أصول الصنائع وأسماء الآلات التي تدعوالضرورة إليها كالخياطة في قوله: (وطفقاً يخصفان) و: الحدادة: (آتوني زبر الحديد) و: (وألنا له الحديد) الآية. و: البناء في آيات. و: النجارة: (واصنع الفلك بأعيننا)، و: الغزل: (نقضت غزلها)، و: النسج: (كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً)، و: الفلاحة: (أفرأيتم ما تحرثون) الآيات، و: الصيد في آيات. و: الغوص: (كل بناء وغواص)، و: (وتستخرجوا منه حلية)، و: الصياغة: (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلاً جسدا)، و: والزجاجة: (صرح ممرد من قوارير)، و: (المصباح في زجاجة).
و: الفخار: (فأوقد لي يا هامان على الطين)، و: الملاحة: (أما السفينة) الآية. و: الكتابة: (علم بالقلم)، و: الخبز: (أحمل فوق رأسي خبزاً)، و: الطبخ: (بعجل حنيذ)، و: الغسل والقصارة: (وثيابك فطهر)، و: (قال الحواريون): وهم القصارون، (أي من يغسل الثياب). و: الجزارة: (إلا ما ذكيتم)، و: البيع والشراء في آيات. و: الصبغ: (صبغة الله)، و: (جدد بيض وحمر)، و: الحجارة: (وتنحتون من الجبال بيوتاً)، و: الكيالة والوزن في آيات، و: الرمي: (وما رميت إذ رميت)، و: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وفيه من أسماء الآلات وضروب المأكولات والمشروبات والمنكوحات وجميع ما وقع ويقع في الكائنات ما يحقق معنى قوله: (ما فرطنا في الكتاب من
¥