تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولو كانت أرضا نصرانية، حتى سارع النصارى الشرقيون إلى إجلاء تلك الحملات من أراضيهم إلى أراضي المسلمين!، فليرحلوا بعيدا عن أرضنا!، كان تلك الحروب خير شاهد على تخلف المجتمعات الأوروبية إنسانيا وحضاريا، فرعا عن تخلفها دينيا بانتحال مقالة الكنيسة الديكتاتورية التي تقضي بإعدام المخالف على طريقة سجناء الرأي المعاصرين!، وفي مقابل هذا التخلف كان الشرق المسلم، بالمقارنة مع الغرب، في أزهى عصوره العلمية وإن أصابه آنذاك من الضعف السياسي والعسكري، بل والعقدي ما أصابه، فكان له من علوم النبوات ما حفظ استقراره الاجتماعي، فلم يحتج إلى مقالات العلمانيين آنذاك كحاجته لها الآن!، بل افتقرت أوروبا إلى نقل طرف من أنظمته وتراتيبه الإدارية المحكمة، وعلومه التجريبية المتقدمة لتصحو من سباتها العميق، ولكنها كانت من التعصب الأعمى بحيث لم تنقل عنه الأصل الأول لكل تلك الفروع الصالحة، أصل الوحي الشارع الذي جاء بما يكفي هذه الأمة أمر دينها ودنياها، فكان صلاح أوروبا، ولو في ظاهر الحياة الدنيا شعبة اقتبستها من الشرق المسلم، وجرت السنة الكونية بضعف أمة الإسلام بعد قوة، وتنامي قوة أوروبا العلمية دون أن يصاحب ذلك نمو في قوتها الفكرية، إذ كان الصراع بين الطرف الغالي من الحرس القديم: حرس الدين الكنسي الكهنوتي المظلم، والجيل الجديد من طلائع العلمانية التي تبنت خيار العلم التجريبي المشاهد وكفرت بالعلوم الإلهية المغيبة في رد فعل جاف، سبقت الإشارة إلى طرف منه، كان الصراع بينهما محتدما، وذلك التناقض هو سر اضطراب أوروبا المعاصرة التي افترضت الإشكالية التي يطرحها العلمانيون الآن في المجتمعات الإسلامية: إشكالية: تعارض العلم الإلهي والعلم التجريبي، وهي إشكالية صح طرحها في أوروبا فرعا عن تناقض الكنيسة والعلم، إذ ليس المصدر واحدا، فدين الكنيسة محرف صدر من عقول المتآمرين في مجمع نيقية، وعقول البشر من خلق الرب، جل وعلا، الذي أنزل الوحي الصحيح ليزكيها، فإن أعرضت عنه أو ضلت سبيله فانتحلت غير مقالته وقع لها من الاضطراب والتناقض بقدر ذلك الإعراض. فليس لهذه الإشكالية محل في أمة الإسلام، إذ أصول هذا الدين قد جاءت موافقة للعقل الصريح فلم تخض معه معركة الحياة أو الموت التي خاضتها الكنيسة، وانتهت بإقصائها عن القيادة وتولية العقل المعزول عن نور الوحي القيادة فانتقلت من فساد تقليد الآباء إلى فساد ابتداع الأبناء، فالوحي في الإسلام قد جاء بما يوافق قياس العقل الصريح في الإلهيات أو التجريبيات، فهو المتبوع الذي يخضع له العقل خضوع المسترشد المستنير لا المقهور الأسير، فلا تناقض بينهما يستلزم إقصاء أحدهما، ولا حاجة إلى ما تلقفه العلمانيون من التجربة الأوروبية التي صيرت الدين قصصا في الكنائس، وصيرت العقل إلها يعبد في المعامل والمصانع، فمنتهى أملها تحصيل التكنولوجيا المدنية، وإن فسدت المسالك الشرعية والأخلاقية، وهو الواقع الذي تعيشه مجتمعات أوروبا المعاصرة التي بلغت من العلم بظاهر الحياة الدنيا ما بلغت، وهي مع ذلك قد انحدرت إلى الحضيض في باب الإلهيات وما يتفرع عنها من عبادات وأخلاق وسياسات ....... إلخ.

وإنما شجعهم على ذلك: الجمود الفكري الذي ابتليت به أمة الإسلام في عصورها المتأخرة، لا لجمود الدين وعدم ملاءمته لتطورات الحياة، وإنما لفساد تصور أتباعه له، بانتشار البدع والخرافات والمقالات المحدثة، فساووا بجهل أو سوء نية بين دين الملة الحنيفية ودين الملة التثليثية، فلنجهز إذن على الدين كما أجهزت عليه أوروبا لنصل إلى ما وصلت إليه من مدنية وتكنولوجيا، وقد نجحوا في ذلك، عقوبة وابتلاء من الله، عز وجل، ومع ذلك لم يقدموا للأمة إلى الآن من مدنية أوروبا إلا الأطباق الفضائية التي تروج للفحش، وتدريس الجنس في المدارس، والسخرية من الفضائل التي أجمع العقلاء فضلا عن الحنفاء على تعظيمها!. ومع ظهور نتائج العلمانية ماثلة أمام الأعيان في المجتمعات الأوروبية المتماسكة ظاهرا المتهافتة باطنا، التي يقبل نجباؤها على الدين الحق، مع خمول ذكر أتباعه، وتذيلهم الأمم فرعا عن مخالفتهم السنن، مع كل ذلك: لا زال العلمانيون يروجون لطرحهم الرديء الذي يدل على مدى جهلهم بالشرع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير