تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الحنيف، فإن في هذا الدين كفاية لأتباعه، علم ذلك من علمه، وجهله من جهله، وإنما يشعر المكلف بالافتقار إلى غيره فرعا عن عدم التشبع بأغذيته النافعة، والتضلع من أدويته الناجعة، فليس العيب في الغذاء أو الدواء، وإنما العيب في المغتذي أو المتداوي.

ومن فروع قياس مجتمعات الإسلام على المجتمعات الأوروبية في معرض الاستدلال لوجوب سلوك طريقتهم لبلوغ ما بلغته مدنيتهم:

مقالة: عدم احتكار الفضيلة، في لمز مبطن لعلماء الملة الربانيين، وربما كان الآن صريحا لعدم الرادع أو ضعفه، فليس الدين حكرا على أحد، وذلك صحيح، وإنما أرادوا به قياس علماء الإسلام على قساوسة وباباوات روما بجامع التسلط على الأتباع باسم الدين، وذلك قياس فاسد الاعتبار، أيضا، لوجود الفارق، فإن مكانة العالم في الإسلام إنما تكون فرعا عن التزامه بالدين الصحيح الذي ما جاء إلا لتخليص البشر من رق وتسلط الجبابرة برسم السياسة الطاغوتية أو الديانة الكهنوتية .......... إلخ من صور الرق، فالعالم في الإسلام ليس محتكرا للفضيلة بل هو هادٍ إليها هداية الدلالة والإرشاد، فهو الوارث لعلوم النبوة، وبقدر نصيبه من هذه التركة المباركة يكون تعظيمه والاقتداء به بوصفه الدليل المرشد إلى الطريق لا بوصفه ذات الطريق الذي يلزم السير عليه، فيكون هو الواسطة بين العبد والرب، جل وعلا، فلا يعبد الله، عز وجل، إلا به، كما هو حال المعظمين في بقية الملل، والكنيسة خير شاهد على ذلك، لا سيما في عصور نفوذها الطاغي في القرون الوسطى، بل قد سرى ذلك إلى فئام من هذه الأمة فصار نائب المعصوم هو الولي المتبوع على حد العصمة، وإن لم تنطق بها الألسنة، فإليه يرجع الأمر كله بوصفه الطاغوتي المهيمن الذي لا يرد الأمر إلى الوحي، فهو من أزهد الناس فيه، إذ قد نالته أيدي التحريف والتبديل، بزعمه، فلا بد من طريق آخر يتأله الأتباع به، ولو كان حادثا مرده إلى أفراد يجب تقليدهم على حد: الإيجاب الشرعي فهم المرجعية التي لا نجاة إلا بالصدور عن أمرها، وقل مثل ذلك في طرائق الغلاة من مشايخ أهل الطريق الذين نزلوا أنفسهم منزلة الوسيلة لأتباعهم، فإذا عرضت للتابع حاجة فليشد الرحال إلى قبر الشيخ أو الولي ليسأله إياها إذ جاهه عند الله، عز وجل، عظيم، فشفاعته عنده من جنس شفاعات ملوك الدنيا الاضطرارية، تعالى الملك، عز وجل، عن تلك المقالة الردية، أو ليسأل الله، عز وجل، عند قبره، فهو حرم مبارك وإن لم يرد بذلك نص من الوحي الشارع، فتخترع الفضائل للبقع والأماكن، وتدون المناقب التي هي عين المثالب، وتراجمهم بذلك حافلة، وقد صارت الخارقة هي الدليل على وجوب اتباعهم المطلق، ولو كانت شيطانية على حد الفتنة للتابع والإهانة للمتبوع لا رحمانية على حد الكرامة التي لا تنال إلا بالتزام المشروع.

فقياس العالِم في دين الإسلام الحق على أولئك الذين لا يخلو حالهم من فساد فرعا عن طغيانهم مع تمسكهم برسوم الفضيلة الظاهرة رياء يشهد له بروز فضائحهم من آن لآخر، لا سيما الفضائح الأخلاقية، وأنباء الشواذ من الرهبان والقساوسة التي تواترت في الآونة الأخيرة حتى اضطر الفاتيكان إلى دفع تعويضات عن تلك المسالك الشائنة فضلا عن قصص الأديرة التي صارت مادة لأدب الفضائح المكشوف قديما وحديثا، ذلك القياس: قياس مع الفارق.

وإنما تجرأ أولئك أيضا على إجراء ذلك القياس الظالم بتسليط الضوء على النماذج المنحرفة من علماء السوء الذين قال فيهم ابن القيم رحمه الله:

"علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعونهم إلى النار بأفعالهم , فكلما قالت أقوالهم للناس: هلمّوا: قالت أفعالهم:لا تسمعوا منهم. فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له , فهم في الصورة أدلاء وفي الحقيقة قطّاع طرق". اهـ

وحكى الغزالي، رحمه الله، طرفا من حالهم بقوله:

"فقائل يقول: هذا أمر لو وجبت المحافظة عليه لكان العلماء أجدر بذلك وفلان من المشهورين من الفضلاء لا يصلي وفلان يشرب الخمر وفلان يأكل الأموال من الأوقاف وأموال اليتامى وفلان يأكل أدرار السلطان ولا يحترز من الحرام وفلان يأخذ الرشوة على القضاء والشهادة وهلم جرا إلى أمثاله". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير