ومن مهام هؤلاء الجواسيس أيضاً خنق الشعب الفلسطيني، وبعثرة آماله في الحياة، وقتل كل شيء جميل في حياته. فمحمد الفنان الذي يتأبط عوده وكأنهما عاشقان، يتلقى الضرب والاهانه لأنه يغني في الحفلات الأغاني والأهازيج الفلسطينية ولا يغني لملك البلاد.
"هي أنت، يا ولد تعال. ارتجف قلب محمد، توجساً وغضباً، فهذا الشرطي إدريس، اشتهر بالاعتداء على شباب المخيم، وإهانتهم أمام الفتيات.
ها ماذا تريد يا سيد إدريس. قال إدريس: نريدك أن تنظف لنا المرحاض ... أدار محمد ظهره، خطا خطوة واحدة، وإذا إدريس يمسك به من ظهره ويثبته ... يا ابن الكلب، ستنظف المرحاض ... قال إدريس: هاتوا المقص ... احضر احد الشرطة المقص وناوله إدريس، الذي اخذ يجذب شعر محمد وهو يضحك ... تغني في الأعراس، ها سيدنا لا يعجبك" ص 98.
أما السبب الثاني الذي تُفصح عنه الشخصيات في الرواية، فهو قلة الاستعدادات العربية لخوض معركة كبيرة وحاسمة كهذه. فالإذاعات العربية خاضت حربا إعلامية هزّت الوطن العربي بطوله وعرضه، ووعدت الشعوب العربية بنصر مظفر على إسرائيل، والادهى من هذا النصر استعادة فلسطين من قبضة إسرائيل. بينما الواقع على أرض المعركة شيئاً آخر. فقد هُزمت الجيوش العربية الثلاث في ستة أيام، واحتلت إسرائيل ما تبقى من فلسطين وسيناء والجولان.
" إذا كانت الاستعدادات العسكرية بقوة الأغاني، وجودة الألحان، فالنصر حليفنا، أما إذا كانت الأغاني أفضل من الاستعدادات فالويل لنا" ص 146.
" ارتفعت أصوات في الخارج: سلاح، سلاح، نريد سلاح" ص 153.
"والله العصا أفضل من بنادقكم التي خاضت الحرب العالمية الثانية.
هذه بنادق أكلها الصدأ. إنها لا تنفع لصيد العصافير ص 161
ولم تقف قلة الاستعدادات على قلة الأسلحة وعدمها في مناطق أخرى. كذلك قلة التموين. فأنّى لجيش يتقدم في المعركة وينتصر ولم يصل له الطعام منذ أول يوم في الحرب؟! وبدل أن يدافع عن الشعب، أصبح عبئاً عليهم ينتظر امدادات الطعام منهم. صورة مقلوبة، تؤدي إلى نهاية معكوسة!
" يا شاويش المغفر هل ستعيدون فلسطين بجيش انقطع عنه التموين في اليوم الأول للحرب؟ يا شاويش المخفر، أمس سألني احد ضباط الأمن عن الطريق المؤدي إلى "عين الديوك"، أنه ضابط استطلاع ولكنه لا يعرف أين تقع عين الديوك، وهل توجد طريق ترابية عريضة توصل إليها أم لا. ومع ذلك تقول أنها حرب" ص158.
أما ثالث هذه الأسباب فهو عدم وجود قيادة فلسطينية سياسية وعسكرية تقود الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات. فمنذ الثورات الأولى في فلسطين، وقيام الاضرابات الكبرى فيها. افتقدت الحركة الثورية الفلسطينية لقيادة تقود الشعب الفلسطيني نحو التحرير. فاحتلت الدول العربية القضية الفلسطينية. وأصبح حال الفلسطينيين "كالأيتام على مائدة اللئام". وبقيت أمورهم كذلك حتى بزغت شمس المقاومة بعد نكسة 67. وأثمر صبرهم عن ميلاد حركة المقاومة التي ولدت من رحم المخيمات، وعزائم شبابه ونسائه. وولَّدت تحركات الفدائيين المتسللين أملا في الخلاص من الاحتلال. وتشير آخر فقرة في الرواية على ميلاد هذه الحركة الثورية التي مثلت الأمل في التحرير وعودة الحقوق المغتصبة.
"أخذ المساء يهبط ناعماً، رطباً بالنسمات المنعشة، تمتم أبو خليل وهو يسير بمحاذاة الجدول، مصغياَ للخرير: (تزوجا يا محمود أنت وندى، وأنجبا كثيرا من الأطفال)، أنا اعرف انه موافقة. سمع ضحكة طفل، ضحكة طفل جذلى، مرحة، ولكن الرصاص كان يقطع تلك الضحكة، التي كانت تعود لتنطلق من جديد، حلوة ومرحة" ص281.
الأستاذ محمود وفعل المقاومة:
تعج رواية "العشاق" بالشخصيات، وتتحرك بين دفتي الرواية بطقوس كرنفالية مهرجانية تضبط إيقاعها شخصية الأستاذ محمود، الذي يمثل مركز الرواية وثقلها، وترتبط به وكأنها فتات الحديد في حقل جاذبيته. لكن من هو الأستاذ محمود الذي يقود دفة الشخصيات في الرواية؟
يشي اسم الأستاذ محمود بمهنته. فهو أستاذ للغة العربية في مدرسة الوكالة في المخيم. سجن لأنه كان يحرض الطلاب ضد الحكومة.
"ما كنا نستطيع فعل شيء العين بصيرة واليد قصيرة، لنفرض أنك حرضت الطلبة على الاضطراب. لماذا حرضتهم؟ لأن وطنهم امتهن. والمواطن أذل على يد الغاصبين، ماذا في ذلك؟ ص80
¥