ـ[أبو سارة]ــــــــ[15 - 12 - 2009, 08:27 ص]ـ
هذا سؤال سياسي، لأن صاحبنا في عداد الوزراء
سلني عن عامة الشعب أو الهررة وسأجيبك:)
ـ[أبو سارة]ــــــــ[16 - 12 - 2009, 10:40 ص]ـ
استكمالا لما أسلفناه، وزيادة على ما ذكرناه، فإن الذاكرة دفعتني إلى الوراء بعيدا إلى سنوات الآحاد من عمري، وهذا الدفع لم يربطني بالحادثة التي سأذكرها فقط وإنما أعاد إلى الذهن تلك الأيام الجميلة وأولئك الناس الذين ذهبت بهم الأيام ولم يبق منهم إلا النزر اليسير.
في الصباح الباكر من تلك الأيام يذهب الموظفون والطلبة كل إلى عمله، فتسطع شمس الضحى على هدوء مريب وخلو يملأ الشوارع والسكيك تكاد تسمع منه طنين الذباب، إذ لا مركبات كثيرة كما هو الحال اليوم.
من مظاهر تلك الأيام تجمعات لكبار السن أمام واجهات بعض البيوت في أحاديث ودية تبدأ ما بعد صلاة الفجر إلى ما قبل الهجير، وحيوانات كثيرة تنتشر بين البيوت، والتوسع في ذلك جميل لكنه خارج من موضوعنا وإنما لفت انتباهي منه أمر لم أعد أشاهده اليوم في الواقع، فقد كنا نشاهد الأعمى الذي يسير بعصاه مع طفل أو طفلة، والمجنون الذي يصرخ حينا وحينا آخر يطرح نفسه لينام في أي مكان يجده، وكثرة الحولان والعوران وبعض ذوي العاهات الظاهرة، عافانا الله وإياكم، كل هؤلاء انقرضوا، وربما هم موجودون لكننا لم نعد نعرفهم فاختلط علينا الحابل والنابل، وهذا ما يوجب الحذر في بعض أشياء اليوم والله المستعان.
في صباح تلك الأيام وبعد أن تخلو الشوارع من الموظفين والطلبة كما أسلفنا، يذهب مكاتبكم وبعض رفقة له ورفيقات لنلعب ونتسكع في الشوارع بلا حسيب أو رقيب، وأكبر المآسي التي تواجهنا حينما تأتي أم أحدنا وهي تبحث عنه لتأخذه إلى البيت فينكسر تناسق تلك المجموعة المتآلفة وتتلوها خطوة تعاطف تتمثل في اقتراب المجموعة من بيت الذاهب على أمل عودته إلى تلك المجموعة.
في هذا المشهد، تتقدم إليّ امرأة وتناديني بصراخ مهموس لترسلني إلى البقال لإحضار بعض الأشياء التي تكررها على مسمعي مرة تلو مرة، وتضع النقود في يدي وتوصيني بالإسراع وعدم التأخر.
فانطلق فرحا لتلبية الأمر، ويتكرر هذا الأمر بين ثنايا الأيام، وكانت تعطيني أجرا بسيطا على ذلك المجهود الذي أقوم به، وكنت أقدر الحوافز المادية جدا في تلك الحقبة وقد نقشت في صخر الذاكرة.
خرج أبو سارة من تلك التجربة بنيله الثقة من تلك الشابة التي شممت منها أول وأجمل العطورات في حياتي مقارنة مع تلك الروائح التي اعتدت عليها من بعض عجائز ذلك الزمان وهي غالبا ما تشبه روائح حنوط الميت عند العجائز رحمهن الله.
تطورت العلاقة الثنائية بأن وضعت في يدي رسالة طلبت مني إيصالها إلى فلان الذي يسكن في شارع مقابل، ولم يكن أمامي إلا الموافقة وفاء وعرفانا لتلك العلاقة الحميمية، وقد حذرتني من أن يراني أحد وأن أحفظ تلك الرسالة تحت ملابسي ولا أظهرها إلا لفلان، مع أنها كانت تضع نقود البقالة في يدي وتقول لاتفلتها من يدك، وتلك مفارقة لم أفكر بها سابقا ربما لكبير وفائي بالعمل الذي بين يدي!
أطلقت ساقي للريح ووصلت الشاب لأسلمه الرسالة بحذر مشوب بخوف، ثم يخرج دفتر به ألوان ملونة بورود زاهية ويكتب كلمات كنت أنظر إليها وكأنها طلاسم ساحر متفنن في سحره، فيعطيني الكتاب مع تحذيرات بأن لايراني أحد وأعود إلى شابة البقالة وأسلمها ورقة الطلاسم الملونة فتقرؤها في مشهد فرحة عارمة لا يمكن تصويرها، ثم تحضنني برفق وحنان وتقبل خديّ و تضع في يدي مكافأة نقدية وأحيانا بعض الحلويات والبسكويتات نظير خدماتي الجليلة، فأعود إلى رفقائي ورفيقاتي.
لا أستطيع تحديد مدة الخدمة على وجه الدقة لكنها لم تكن تقل عن خمسة عشر مهمة سرية على الإجمال.
قبل حوالي سنتين من يومنا هذا واجهت هذه السيدة في أحد الأسواق، بعد أن فرقتنا المدنية الحديثة وهي سيدة فاضلة بغض النظر عن نزغات شياطين الصِّبى والصَّبا فكان أن مازحتها بأن لي دين في رقبتها عن رسالتين لم آخذ أجرهما إلى الساعة، فكان أن ضربتني ضربة قوية على كتفي من شدة الضحك مع إشادة بإخلاصي ووفائي أعتبرها أولى شهاداتي في الحياة!
خدماتي الجليلة لم يعد أحد بحاجة إليها الآن بسبب التكنولوجيا والهواتف الخلوية والأنترنت، لكنها ذكرى جميلة عن زمن جميل أفل نجمه وخبا ذكره إلا عند قلة من الأحياء.
أشهد الله أني لم أر بعيني أو اسمع بأذني أي فحش أو سوء كما نسمع ونقرأ في حوادث هذه الأيام، إنها العفوية في أسمى معانيها، والجهل في أرقى آدابه.
هذا ما تيسر، وللحديث بقية.
ـ[هكذا]ــــــــ[16 - 12 - 2009, 05:25 م]ـ
لا أستطيع تحديد مدة الخدمة على وجه الدقة لكنها لم تكن تقل عن خمسة عشر مهمة سرية على الإجمال.
.
ولكنك لم تكمل الرواية يا أبا سارة ...
فهل استمر العشق بين صاحبة البقالة وصاحب الرسالة المزخرفة أم انتهى على غرار قصص العشاق؟
: p
¥