إذا هي ترجمت باللحظ سرا ... تهادت بينها عِلْمَ الغيوب
وفي إغضائها معنى لطيفٌ ... تريد به مكايدة الرقيب
فيرجع ماله بالغيب علم ... وقد أغضت على علم عجيب
هذا العاشق بنعمة رغم قلة الحصاد، لأن غيره يتمنى ما هو أقل من ذلك وربما لم يحصل عليه، وها هو يقول:
إلى القمر الساجي انظري كل ليلة ... فإني إليه في العشية ناظر
عسى يلتقي طرفي وطرفك عنده ... فيشكو إليه ما تكن السرائر
وما دمنا في النظر، فما نفلت قول ابن الرومي حينما قال بسحره الشعري:
نَظَرَتْ فاقصدتِ الفؤادَ بسهمِها ** ثم انثنتْ عنه فكاد يَهيمُ
ويلاهُ إن نظرت وإن هي أعرَضَت** وقعُ السهامِ ونزْعُهُنّ أليم
وانظروا الرقة في قول ابن زيدون:
ياليلُ طُل، لا أشتهي ... إلا بوصلٍ قِصَركْ
لو بات عندي قمري ... مابت أرعى قمرك
يا ليل ُ خبّر: أنني ... ألْتَذُّ عنه خَبَرَكْ
بالله قل لي: هل وفى؟ ... فقال: لا، بل غدرك!
وهذا شعر في وصف رقيق أيضا كأنه صورة رسام ماهر في رسم منظر أنيق:
رب ورقاءَ هتوفِ في الضُّحى ... ذات شجوٍ صدحت في فننِ
ذكرت إلفا ودهراً سالفا ... وبكت حزناً فهاجت حَزَني
فبكائي ربما أرقها ... وبكاها ربما أرقني
ولقد أشكو فما أفهمها ... ولقد تشكو فما تفهمني
غير أني بالجوى أعرفها ... وهي أيضاً بالجوى تعرفني
وهذا متنبيء بنبوءة لا تخرج من ملة:
يلاحظني فيعلم ما بقلبي ** وألحظه فيعلم ما أريد
يقول الشاعر:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي وانثني وبياض الصبح يغري بي
قال ابن أبي الإصبع: ولا أعلم في باب التقابل أفضل من هذا البيت لجمعه من المقابلات ما لم يجمعه بيت لشاعر قبله ولا بعده إلى يومنا هذا، والعهدة على لؤي الطيبي حفظه الله.
بعض الشعراء، يتعمق في وصفه ويجنح إلى خيال مفض إلى كذب هو مفضل على الحقيقة عند الكثيرين، انظروا مثال ذلك في بيتي هذا الشاعر:
لي في محبتكم شهود أربع ... وشهود كل قضية إثنان
خفقان قلبي واضطراب جوانحي ... ونحول جسمي وانعقاد لساني
وهذه شكوى لم تحض بقاض مصرح بحكمه:
لم يخلق الله شيئا كنت أكرهه ** غير العجوز وكلب الليل والقمر
هذا نبوح وهذا يستضاء به ... وهذه شيخة قوامة السحر
وهذه معاناة قديمة أكل عليها الدهر وشرب وقضى عليها عصر الاتصالات الحديث ولو تذمر أحد شعراء اليوم من هذه الأشياء لأحيل إلى مصحات الطب النفسي ببطاقة حمراء وهي أشد حالات الجنون وفق ما أخبرني به أحد المجانين من ذوي النباهة في الجنون!.
أكبر مشكلة تواجه العشاق وتهدد كيانهم هي ذكر الفرقة والهجر، ولاتوجد إحصائيات رسمية تبين كثرة الهالكين من هذه الفاجعة ولكن بحسب رأي بعض الخبراء فإن نسبة هؤلاء تصل إلى خمسين في المئة على الأرجح، وتحمل هذه الحالات تختلف من شخص إلى آخر، فالبعض يتحمل الصدمات كالسيارات الأمريكية، والبعض الآخر قلبه في الرقة كتحمل لعب الأطفال يد طفل عابث.
وهذا عاشق صور معان مبكية عند ذوي الصنعة في العشق، يقول:
كفكف قسيّك يا فراق فإنه ... لم يبق في قلبي لسهمك موقع
ما أجمل محل كفكف في البيت، وأجمل منه صحة جمع القوس على قسيّ، وأجمل من الأمرين غور بعد الوصف واستنطاق صمت الإحساس به.
العادة في أحوال العاشقين الذلة والمسكنة، والأصل في طباعهم الصدق والصفاء والنقاء، قلوبهم خاضعة منقادة كالجمل الأنف، وطرقهم في التواصل يملؤها الأمل رغم سيرها على طريق غير معبد، سعادة لحظتهم تفوق سعادات سنين عند الآخرين، يدورون في فلك يسبح في خيال أصدق من الحقيقة عندهم، تقطر الدمعة من عين المحب للتعبير عن الحزن والفرح معا، وكم تضيق الدنيا في عين أحدهم في وصف لو أشبعته وصفا سيضحك منه قلب الخلي،لكنها حقيقة حقة، وقصة مجربة لا تحتاج إلى شواهد وأمثلة لأنها معروفة وواضحة كالشمس في رائعة النهار، لايردها رفض مناوئ، ولايثبتها قول قائل، لأنها معروفة بالتجربة ومحسوسة بالقلب والمشاعر، لاتصل إليها تعبيرات المعبرين، ولا فصاحة المتفاصحين، ولا تلويحات المؤمئين، لأنها طبع وسجية في تلك القلوب الرقيقة والمشاعر الدقيقة، وهم يدركون ذلك بلا إدراك ويعلمونه بلا علم.
ونختم موضوعنا على ماجاء في معنى الشاعر:
إنما للناس منا ** حسن خلق ومزاح
ولنا ما كان فينا ** من فساد أو صلاح
ولسان الحال في كتابتنا هذا الموضوع كقول الشاعر:
على المرء أن يسعى إلى الخير جهده ** وليس عليه أن تتم المكارم ُ
ولعل للحديث بقية إن جاد الوقت بالوصل والصلة.
وللجميع أرق وألطف التحايا
ـ[هكذا]ــــــــ[15 - 12 - 2009, 06:47 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يروى أن الوزير المزدقاني خرج في نزهة، فرأى امرأة في قصر وأعجبته، فحصلت بينهما إشارات تدل على القبول بين الطرفين، ثم أهدت له تفاحة فيها زِرُّ من ذهب ولم تكلمه بشيء، فلم يفطن ومن حضره للمعنى، فقال له ابنه أحمد: قد فهمت ما أرادت، ونظم المعنى في بيتين وأنشد:
أهدت لك العنبر في جوفه ... زِرٌّ من التبر خفيّ اللحام
فالزر في العنبر معناهما ... زر هكذا، مختلفا في الظلام.
مع الاعتذار لمشرفنا في شبكة الفصيح الأستاذ (هكذا)!
وللجميع أرق وألطف التحايا
وعليكم السلام يا أبا سارة
ولكنك لم تكمل الرواية يا أبا سارة, فهل زارها هكذا مختلفا في الظلام؟
للمعلومة: "وما أفنى حياتي غير هر"
¥